الشيخ حسين الخشن: الاستئثار بالخمس يؤسس لطبقية مقيتة

الشيخ حسين الخشن: الاستئثار بالخمس يؤسس لطبقية مقيتة
الشيخ حسين الخشن/ من بحث: ذرية الرسول (ص): الخيط الرفيع بين المحبّة والطبقية

التمايز التشريعي/ الاستئثار بالخمس (سهم السادة):

وهو تمايز- لو صحّ- يؤسس لطبقيّة "شرعية" تجعل ذرية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مُحصَّنين ببعض التشريعات التي تجعلهم في موقع "النبلاء" و"الأشراف"، ويمكننا أن نستشهد على هذا النوع من التمايز الموهوم ببعض النماذج من الأحكام الفقهية، وأهمها:

- الاستئثار بالخمس، حيث إنّ الفتوى المشهورة عند فقهاء الإمامية تقضي بأن يكون نصف الخمس هو من نصيب الهاشميين وخصوصاً السادة الأشراف من نسل السيدة الزهراء (ع)، وهو ما اصطلح على تسميته بـ "سهم السادة"، كما اصطلح على تسمية النصف الآخر بـ "سهم الإمام (ع)".

وهذه الفتوى وبصرف النظر عن توجيهها الفقهي قد أسهمت بطريقة أو بأخرى في إنتاج حالة من الطبقيّة المقيتة، وجعلت "السيد" يشعر في اللاوعي بتفوّقه وأفضليّته على سائر الناس، أفضليةً استوجبت أن يخصّه الله بهذه الكرامة، ويميّزه بهذا المصدر المالي الذي لا يشاركه فيه أحد.

ومن الطبيعي أنّ هذا الشعور قد يُعبِّر عن نفسه لدى البعض بشيء من التعالي والتكبّر على الآخرين.

كما أنّ الفتوى المذكورة ساهمت في خلق روح اتّكالية وحالة من الاسترخاء والكسل لدى بعض "السادة"، على اعتبار أنّ مصدر رزقه مؤمَّن ومكفول له من قبل الله، عَمِلَ أو لم يعمل، ومَنْ يمنعه من الخمس فإنّما يمنعه من حقّه المكتسب له بالولادة والنَّسب.

وقد ينجرّ الأمر إلى تجرؤ بعض "السادة" على تناول هذا الفقيه أو ذاك العالم بالتجريح والطعن إذا لم يعطه من "سهم السادة"، لسبب من الأسباب، ومبرِّره في الجرأة هو أنّ هذا العالِم قد حَرَمه من حقه الشرعي المكتسب له.

وفي ضوء ذلك، فإنّ هذه الفتوى سوف تُسهم- كما يرى البعض- في استعادة قيم الجاهلية ومنطقها، ولا سيما أنّ الخمس كما هو الرأي المشهور إنّما يستحقه فقط من انتسب إلى هاشم بالأب دون الأم، إستناداً إلى أنّ المستفاد من بعض الروايات  أنّ الخمس هو لبني هاشم.

ومن الواضح أنّ الذي ينتسب إلى هاشم بالأم دون الأب فهو ليس من العشيرة ولا يقال له هاشمي! وهو ما أثار استغراب البعض واعتبره استعادة لمنطق الجاهلية، طبقاً لما قاله الشاعر الجاهلي:

 بنونا بنو أبنائنا وبناتنا  **  بنوهن أبناء الرجال الأباعد

وزاد في الطين بلَّة أن اعتُبر الخمس المقرّر للسادة "مالاً طاهراً"، وأمّا الزكاة التي حُرموا منها، أو حُرِّمت عليهم وأبيحت لسواهم من الناس، فإنّها "أوساخ ما في أيدي الناس".

ليتم بهذه اللغة العنصرية ليس تكريس مبدأ التفاضل على أساس العشيرة وحسب، بل وتوجيه إهانة إلى سائر الناس وتحقيرهم، لا لشيء إلا لأنّ "الحظ" لم يحالفهم في أن يتصل نسبهم برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!

دفاع غير مقنع:

وقد ردّ بعضهم على شبهة أنّ تمييز بني هاشم وتخصيصهم بالخمس دون سواهم هو خلاف مبادئ الإسلام وروح المساواة التي أشاعها بين مختلف الشرائح والشعوب والقوميات: بأنّ "إكرام الرجل في عشيرته وعائلته أمر عرفي يقبله روح الاجتماع، واحترام ذرية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأقربائه يُعدُّ احتراماً له، فأي مانع من أن يجب إدارتهم من الميزانية الموضوعة لإدارة الحكومة الإسلامية من جهة أنّهم من أغصان شجرة النبوة والحكومة الإلهية، وهذا ميز (مائز) دنيوي، وإلاّ فإنّ أكرم الناس عند الله أتقاهم". 

ولكنّ هذا الدفاع غير مقنع، لعدة اعتبارات:

أولاً: إنّ الإكرام المشار إليه إنّما يكون مألوفاً لو صدر من الناس بمبادرات فردية احتراماً منهم وتقديراً لنبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم), أمّا أن يُقِرَّ ذلك النبي نفسه، فيفرض على أتباعه إكرام ذريته وتخصيصهم بمبالغ مالية ضخمة، فهذا ما لا يفهمه العقلاء، بل ربّما رأوا فيه ما يوجب القدح والذم، ولا سيّما إذا كان هذا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نادى بإسقاط كلّ أشكال التمايز والتفاضل على أساس عشائري أو عرقي، كما أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وطبقاً لما علّمه الله تعالى، لم يطلب على الرسالة أجراً سوى المودة في القربى، وليس دفع الأموال إليهم، ﴿قل لاأسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى﴾ (الشورى: 23).

ثانياً: إنّ الخمس- حسب الفرض- لا يختص بذرية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل إنّه يُعطى لكل هاشمي بما في ذلك نسل العباس وذريته، وكذا ذرية أبي طالب والحارث وأبو لهب 33 مع أعقابهم إلى يوم القيامة، والذي تألفه الحياة الاجتماعية والعقلائية هو إكرام الرجل في الأقربين من أهل بيته وذريته وأقربائه، أمّا مع تعاقب الأبناء والأحفاد وتواليهم إلى عشرات الجدود بحيث لا تعود ثمة قرابة ظاهرة فيما بينهم فهذا ليس مما يراعيه العقلاء في تعاملهم مع الأشخاص.

ثالثاً: ثم إذا كان الغرض هو إكرام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بنيه، فهذا يقتضي تعميم الإكرام لأبناء البنت، كما أبناء الإبن، فهؤلاء كلهم أبناؤه وعائلته وأهله، أفهل يكون دفع الخمس لابن "الهاشمي" تكريماً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يكون دفع الخمس لابن "الهاشمية" ممن تزوجت من غير هاشمي تكريماً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

هذا مع العلم أنّ ذرية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأجمعها إنما هي من ابنته الزهراء (ع) وليس من أبنائه الذكور، لأنً هؤلاء قد تُوفّوا صغاراً، فلماذا يتم تخصيص الخمس بخصوص أبناء الأبن من ذريته وأقاربه كما هو الرأي المشهور في المسألة؟!

رابعاً: إنّ إكرام ذرية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأقاربه يكون بسدِّ احتياجاتهم، وتأمين مستلزماتهم الضرورية ولا يكون بتخصيص نصف الخمس لهم، أي ما يعادل ميزانية دولة بأكملها، ماذا يفعلون بكل هذه الأموال؟!
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة