ماذا يقصدون بالمذهبية؟

ماذا يقصدون بالمذهبية؟

د . عباس هاشم

 تُكرر جمعية التجديد مفردة "مذهبية" وذلك مقدمةً كلما أرادت أن تنقض ثابتا من ثوابت المذهب الإمامي أو تسفيه فتوى شرعية أو نفي مسألة عقدية..

تكرر هذه المفردة ويكررها أعضاء الجمعية بشكل يومي وممجوج وذلك لتبرير تنكرها لثوابت المذهب الشيعي، وجعل أتباعها يتقبلون دعاواها الجديدة التي تؤسس لمذهب جديد لا شيعي ولا سني.


إنها دعوى زائفة تخطف عقول الأغرار من أتباعها تحت عنوان برّاق، هو "التفكير من خارج الصندوق" مما يسوّغ لهم تقبل تلك الشطحات التي ينفثها كبار الجمعية، تحت تأثير  جملة "تحرير العقل" من القيود المذهبية.

والآن لنطرح هذا السؤال المهم: ماذا يقصدون عندما يزعمون أن هذا التفسير للآية مذهبي وتلك الرواية مذهبية وهذه الفتوى نتاج نزعة مذهبية؟

عندما ترفض #جمعية_التجديد روايات تفسير الشيعة لمثل آية التطهير أو تنكر صحة بعض الروايات وتصفها بالمذهبية ، فهي تعني أن هذه الروايات مكذوبة ومخترعة من قبل مؤسسي المذهب أو من أتباعه؛ فهم قد اخترعوا روايات من أجل تسويق وتمرير فهمهم لآيات القرآن لتتناسب وقواعد المذهب التي وضعوها ولتسويغ قبول بعض العقائد كعصمة الأئمة..الخ 

فإن كانت هذه الجمعية تقصد أن مؤسسي المذهب هم من اخترع الروايات فهي أمام أحد خيارين:

الخيار الأول: أن مؤسسي المذهب الشيعي الإمامي هم الأئمة الاثناعشر ، وأنهم غير معصومين ، وهم الذين اخترعوا وزيفوا الأحاديث؛ واحتمال دجلهم وارد كما احتمل مثل أحمد الكاتب ذلك في حق الإمام الباقر في محاورة موثقة عندي بيني وبينه في الواتس اب؛ وهذا مستبعد حاليا وممكن جدا مستقبلا وفق مسار هذه الجمعية المنحرف عن كل ضابطة علمية.

الخيار الثاني: أن من أسس المذهب الإمامي آخرون من غير الأئمة الاثناعشر كالشيخ الكليني والطوسي والمفيد وغيرهم، وهؤلاء قد نسبوا المذهب لأهل البيت (الأئمة الاثني عشر)؛ واخترعوا الروايات، فهو إذن ليس مذهب أهل البيت؛ وهذا مفاد ما ادعاه بعض أعضاء الجمعية بزعمه أن المذهب من صناعة رجال خطّائين.

إذن الأصل عند هذه الجمعية أن هناك من زيف الأحاديث ونسبها للأئمة ع؛ وهذه الدعوى تافهة جدا وسخيفة، إذ كان لدينا نحن الشيعة الإمامية ٤٠٠ أصل من الأصول التي كتبها أصحاب الأئمة الذين يروون عن الأئمة مباشرة، ثم إن هذه الأصول نسخت آلاف المرات وتوزعت على بيوتات الشيعة.

ويمكن أن نتقبل ونتخيل إمكانية دس بعض الروايات، ولكن من يستطيع دس عشرات الآلاف من الروايات في آلاف النسخ حتى يصبح الأكثر منها زائفا؟ ومن الذي حفظ الأسانيد التي تعد بعشرات الآلاف حتى يُظهر أن الرواية مسندة؟ ومتى حدث ذلك وفي أي عصر؟

ومن الذي دخل آلاف من بيوت الشيعة ودس كل هذه الروايات في آلاف النسخ المنسوخة من الأصول الأربعمائة؟ وكيف تطابقت النسخ ؟!!!ثم نحن نتكلم عن قرون من الزمان، وعن أئمة عاشوا في مدى ٢٥٠ سنة، مما يجعل دعوى الدس بهذا المقدار الخرافي خرافة لا يصدقها إلا مجنون جدا، واثبات ذلك دونه خرط القتاد.

ومما يجدر ذكره أنه تم جمع أهم ما في الأصول الأربعمائة في مصادر الحديث المعروفة اليوم مثل الكافي والفقيه والاستبصار والتهذيب وغيرها؛ ويكفي  أن روايات الفقه وحدها تبلغ ما يقرب من ٥٧ ألف رواية كما يذكر الشيخ د. الفضلي، جمعها من وسائل الشيعة والمستدرك على الوسائل، فضلا عن غيرها من الروايات العقدية والأخلاقية وغير ذلك.

إن #جمعية_التجديد أعجز من اثبات فبركة الروايات إلا بدعوى تعارضها مع القرآن، وقد ثبت أنهم لا يميزون بين التعارض المستقر الممنوع، وبين كون الرواية تخصص العام وتقيد المطلق، فعندما يقول الله (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)، هنا تأتي الرواية وتعارض هذا الإطلاق في هذه الآية، وتقيده وذلك بمنع قطع يد الصغير فيما لو سرق أو الذي دفعته الحاجة للسرقة ..الخ..وعندما تقول الآية (أحل لكم صيد البحر) فإن هذا الإطلاق يفيد أن كل ما في البحر من الحيوانات يحل أكلها، ولكن يأتي الخاص -أي الرواية - ويعارض هذا الإطلاق أي يقيده فيحرم بعض أنواع الأسماك وحيوانات البحر كثعبان البحر والقرش..الخ. 

فهم يعتبرون التعارض هذا ممنوعا، ولو قبلنا ادعاءهم لكانت كارثة ومدعاة لتعارض القرآن مع العقل وسيرة العقلاء، إذ من يقبل أن تقطع يد الطفل لو سرق أو قتله لو قتل أو جلد الزاني وإن كان طفلا؟ ولهذا لا يمكن أن يختلف مسلمان على تقييد مطلقات القرآن وتخصيص عموماته، حتى لقد قالوا: لا يوجد عام قرآني إلا خصص ولا مطلق إلا قُيّد.

نعم الممنوع هو التعارض المستقر،  والشيعة يتركون ما يتعارض من الروايات مع القرآن ويقبلون ما يتوافق معه.

ولكن أنّا لصغار جمعية التجديد إدراك تلك القواعد إذا كان كبارها يتنكرون حتى للتواتر وينفون كونه يفيد القطع واليقين، فمن لا يعي أن التواتر يفيد اليقين ويريد عرض ما تواتر على القرآن فهو جاهل لا يستحق الخطاب.

ومن ينفي التواتر فهو ينسف بجهله الفاقع القرآن نفسه لأن الدليل الوحيد على حفظه هو التواتر، بل هذا الادعاء السخيف يعني هدم كل منظومة وتراث الإنسانية جمعاء؛ بالتالي فنحن أمام بلهاء علميا ولا يستحقون التوقف معهم، وإنما نكشف تفاهات ما يطرحونه للآخرين ولأتباعهم من الشباب المعقود عليهم أمل اليقظة حتى يعرفوا لأي مرحلة من الضلال قادتهم بدعة النيابة الخاصة وسوغت لهم كل قبيح فنسبوا للأنبياء حتى معصية الزنا كما في حق آدم (ع) لأنهم يرفضون القول بعصمتهم.

والحقيقة أن مشكلتنا مع هذه الجمعية ليست مشكلة علمية، فدعاواها ساقطة علميا ، وجهل كبار مؤسسيها فاقع يعشي الأبصار  ، وإنما المشكلة في أجندتها التي تكمن خلف دعاوى التجديد، تلك الأجندة التي تتعلق بالبدع في الدين والتي كثرت في نتاجاتها.

ملاحظة: مما يجدر ذكره أنه ومع أن روايات نزول آية التطهير في علي وفاطمة والحسنين متواترة، فإن هذه الجمعية نفت كون هؤلاء الأربعة من أهل البيت واعتبرت فقط نساء النبي هن أهل البيت وفق الآية، ووصفت الروايات وتفسيرها بالمذهبية مع أن كل أتباع المذاهب الإسلامية قد رووها واتفقوا على أن الأربعة من أهل البيت، مما يدلل على استهداف هذه الجمعية لمنظومة المعارف الخاصة بالمذهب الإمامي.
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة