وقفة مع المرجع الديني المُعاصر السيّد كمال الحيدري.

وقفة مع المرجع الديني المُعاصر السيّد كمال الحيدري.

عبد الحليم الغزي

وقفتي هذهِ مع المرجع الديني المعاصر: السيّد كمال الحيدري ليستْ وقفةً مُشخصنةً بحُدود شخْصه، سأتناولُ ما طرحهُ السيّد كمال الحيدري من تصريحاتٍ ومُتبنّيات ومُعتقدات وآراء طرحها في مجالسه الخاصّة ولكنّها الآن صارتْ شائعةً في الوسط الإعلامي خُصوصاً على الشبكة العنكبوتيّة.


الكثير مِن هذه المسائل كُنتُ على علمٍ بها، ولكن لأنّها ما طُرحتْ في الجوّ الإعلامي العام فلم أتعرّض لها في أحاديثي السابقة التي ناقشتُ فيها شيئاً ممّا طرحه السيّد كمال الحيدري في أبحاثه ودروسه ومُحاضراته.


● ما طرحهُ السيّد كمال الحيدري وما شاع في الجوّ الإعلامي في الفترة المُتأخّرة ليس بغريب على المؤسّسة الدينيّة.. فكثيرٌ مِن هذه الأفكار، بل هناك ما هو أسوأ وأشدّ منها موجودٌ في كُتب مراجعنا الكبار مِن الطراز الأوّل من الأمواتِ منهم ومن الأحياء! وهُناك مِمّا طرحه فإنّ المراجع قد صنعوا لهُ المُقدّمات وهيّأوا له الأسباب (وأتحدّث هُنا عن مُقدّماتٍ علميّة وعن أسبابٍ فكريّة).


● مُشكلةٌ كبيرة في واقعنا الشيعي وهذهِ المُشكلةُ هي في داخل المُؤسّسة الدينيّة الشيعيّة الرسمية (مُشكلة مُعقّدة مُركّبة) جهاتها عديدة.. من أهمّ جهات هذه المُشكلة: مَوقف عُلمائنا ومَراجعنا من حديث أهل البيت (موقفهم من جهة التشكيك فيه، ومن جهة سُوء فهمه) والسبب يعود إلى عدّة جهات:


✱ الجهة الأولى: أنّ علماءنا ومراجعنا فسّروا القرآن بحسب المنهج المُخالف لأهل البيت ورفضوا أكثر الأحاديث التفسيريّة، فتشكلت ثقافةٌ قرآنيةٌ عمياء بعيدةٌ عمّا يُريده محمّد وآل محمّد.


● المنظومة العقائديّة هي الأخرى بسبب الموقف الخاطىء والجاهل من حديث أهل البيت من قِبَل المؤسّسة الدينيّة الشيعيّة الرسميّة، أدّى إلى نُشوء منظومة عقائديّة سُميّت بأصول الدين لا تمتُّ إلى منهج الكتاب والعترة بصِلة.. والأمرُ ينجرُّ بنفسهِ إلى عملية استنباط الأحكام الشرعيّة.. والمؤسّسة الدينيّة الشيعيّة الرسميّة عاجزةٌ عن أن تُقيم الدليل على أنّ طريقة الاستنباط المُتّبعة مؤيّدةٌ مِن قِبَل أئمتنا "صلواتُ الله عليهم".. 

فطريقةُ الاستنباط المُتّبعةُ في أجوائنا الفتوائيّة الاجتهادية طريقةٌ شافعية بامتياز.. جاءنا بها الشيخ الطوسي من أجواء الشافعي بسبب تأثّره العميق والشديد بالفكر الشافعي.


فما بين تفسيرٍ بعيدٍ عن آل محمّد، ومنظومةٍ عقائديّةٍ هزيلةٍ لا ترتبطُ ارتباطاً حقيقيّاً بمنهج الكتاب والعترة، وما بين طريقةِ استنباطٍ للأحكام الشرعيّة لا يملك الذين يستنبطونَ بها وعلى أساسها دليلاً على أنّ الأئمة يُؤيّدون هذه الطريقة.

قد يستغرب البعضُ حديثي ولكن هذهِ هي الحقيقة.. وكلّ هذا بسبب الموقف الخاطىء والجاهل والظالم مِن حديث العترة الطاهرة، وكُلّ ذلك بسبب التأثّر بالمناهج الناصبية في تقييم الحديث وفي طريقة فَهمهِ.


هذه جهة مهمة جدّاً.. وما الآراء التي تبّناها ويتبنّاها السيّد كمال الحيدري ومَن يتّفقُ معه ولكنّه لم يُعلن ذلك مِن كِبار علماء الشيعة وإنّما بقي الأمر حبيساً في المجالس الخاصّة.. كلُّ ذلك مردّهُ إلى الموقف الجاهل الخاطىء الظالم لِحديث العترة الطاهرة بسبب أنّ عقول القوم قد مُلئتْ وشُحنتْ بالفِكر الناصبي.. هذه جهة من جهات المُشكلة.

✱ الجهة الثانية من جهات المُشكلة: هي الصنمية القاتلة (الصنميّة التي أكلتْ رؤوس الأتباع، والصنميّة التي أكلتْ رؤوس كبار علمائنا: صنميّةٌ للعلماء المُتقدّمين، صنميةٌ لأساتذتهم، صنميةٌ للأعراف والتقاليد التي ما أنزل الله بها مِن سُلطان في وسط المُؤسّسة الدينيّة الشيعيّة الرسميّة) هذه جهةٌ كبيرةٌ ولا أُريد الحديث عنها.

فالمُشكلة كما قُلت مُعقّدةٌ مُركّبةٌ وتراكيبها كما أنّها مُتراكبة فهي مُتراكمة وتتراكم على طول الزمن!


وأمّا جهة الصراع على المناصب وتوريثِ المرجعيّة والزعامة الدينيّة والصراع على جمع الأموال والحقوق الشرعيّة والصراع على التأثير في أكبر مساحة جماهيريّة في الوسط الشيعي. (التفاصيل التي يعرفها المُتصارعون في الأجواء المرجعيّة) هذه جهة أخرى هي جزء من المُشكلة.


• أنا لا أريد الحديث عن هذه الأجزاء، ولكنّني سأسلّط الضَوء على جُزء مِن أجزاء هذه المُشكلة وهي أنّ المراجع والعلماء يكتبون في رسائلهم العمليّة للناس ما لا هم يعتقدون به في كثيرٍ من الأحيان.


فليس بغَريبٍ أن نجد المرجع الشيعي الذي تُقلّده الشيعة أن يُفتي في الرسالة العمليّة بشيء لا يعتقد به على أساس أنّه لا يُريد أن يُخالف المشهور، وأن يذكر في درسه في الفقه الاستدلالي في أبحاث الخارج شيئاً آخر، ويجدون لِذلك تبريراً: أنّه من باب التمرين للتلاميذ والطلّاب، وما تلك إلّا رقعةٌ خائبة.. وهو يعمل بشيءٍ آخر لا كالذي ذكره في رسالته العمليّة، ولا كالذي ذكرهُ في درسه وبحثه، وإنّما يعملُ بشيءٍ آخر!


وقد يكون ما هو أكثر من ذلك.. هذه حقائق ووقائع يعرفها الذين هم على مقربةٍ من كواليس المراجع ومن دهاليز المؤسّسة الدينيّة الشيعيّة الرسميّة.


● الخطباء الذين يعتلون المنابر وفي مجالس العلماء، حينما يحضر الناس ويبدأ الخطيب بذكر المُصيبة التي يبكي الناس لأجلها.. العلماء لا يبكون لأنّهم لا يعتقدون بهذه المصائب والأحداث.. لذا تجد أنّ أكثر الباكين هُم من عامّة الشيعة، أمّا علماء الشيعة لا يبكون في المجالس وإنّما يتباكون أو يضعون أيديهم على جباههم وعلى عيونهم ويُطرقون برؤوسهم، أو يُخفون وجوههم وراء عباءاتهم؛ لأنّه أكثر من 90% من الحوادث التي يذكرها الخُطباء على المنابر لا الخُطباء يعتقدون بها ولا المراجع، وإنّما يُدلون بها للناس والناس تبكي لأجلها.. أمّا الخطيب ففي كثير من الأحيان هو نفسه لا يعتقد بما يذكر من مصيبة لأنّه يتّبع مرجعاً هو الآخر لا يعتقد بهذه الأحداث والوقائع. (عملية تدليس واضحة على عامّة الشيعة)!


• سآتيكم الآن بمثالٍ واحد من قائمةً طويلةً بالأحداث التي يرفضها مراجع الشيعة ويُظهرون أنفسهم أنّهم يتباكون عليها في المجالس العامّة والخُطباء يُردّدونها ويتفاعلون معها تمثيلاً..!


على سبيل المثال: (عرس القاسم).

عرس القاسم لن تجد بين المراجع وبين العلماء من يقبلهُ.. والخُطباء يعرفون ذلك، ولكن الخطيب يذكر واقعة "عُرس القاسم" وتُمثّل الواقعة في الّليلة الثامنة من ليالي شهر محرّم والخطيب يشترك فيها والرادود هو الآخر لا يعتقد بها ولكن لأنّ صاحب الحُسينيّة الذي يدفعُ حُزم الدولارات هو الذي يُريد ذلك.


أنا لا أُشكّك هُنا في الواقعة، وإنّما أنا أنقل لكم فقط ماذا يجري. الذي يجري هو أنّ هناك خُداعٌ وتدليس..


هُناك شيءٌ يُقال للشيعة، وهناك شيءٌ آخر يُقال في الكواليس.. وهذه قضيّةٌ قديمة وتنتشرُ انتشاراً واسعاً في الوسط المرجعي وفي الوسط الحوزوي وفي الوسط العُلمائي.


بعبارة أخرى: في دهاليز المؤسّسة الدينيّة الشيعيّة الرسميّة.. وما نُقِل وانتشر عن المرجع الديني المُعاصر السيّد كمال الحيدري ما هو إلّا مِصداق عملي وحقيقي لِهذه القضيّة!


• السيّد كمال الحيدري هو ابنٌ شرعيٌ للمُؤسّسة الدينيّة الشيعيّة الرسمية.. هو أُستاذٌ مِن الأساتذة المُتقدّمين في الحوزة العلميّة الشيعيّة.


السيّد الحيدري مُنذ نُعومة أظفاره هو في هذا الجوّ الشيعي الديني الرسمي (ما بين التنظيمات السياسيّة، وما بين الأجواء الحُسينيّة، وما بين المرجعيات الشيعيّة، وما بين الدرس والتدريس والبحث والتأليف) وإذا أراد أحدٌ أن يُنكر ذلك فهو إمّا جاهل وإمّا كاذب.


فكلُّ ما قاله السيّد الحيدري إنْ كان في دروسهِ الرسمية أو كان في أحاديثه وحواراته الخاصّة التي انتشرتْ في الفترة الأخيرة على الشبكة العنكبوتيّة، كُلّ ما قالهُ هو مَوجود في كُتب علمائنا ومراجعنا الكبار من الأحياء والأموات. إمّا أن يكون بنفسهِ أو بنحوٍ أسوأ.. أو أن تكون هناك المقدّمات والأسباب التي تقود بشكلٍ تلقائي إلى النتائج التي تحدّث عنها.

المُشكلة ليستْ في السيّد الحيدري، المُشكلة في المؤسّسة الدينيّة الشيعيّة الرسميّة وفي منهجها الذي يُخرّج لنا ويُعطينا هذه النتائج بشكلٍ مُباشر وبشكلٍ غير مُباشر..

إنّه المنهج المُحارب لِحديث العترة الطاهرة (منهج مراجعنا وعلماءنا) علماً أنّهم يقومون بهذا من دُون سُوء نيّة، وإنّما هُم يعتقدون أنّ الصواب في هذا الأمر.
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة