الفيلسوف والباحث الشيعي محسن كديور يراجع ويصحح أهم نظرية في الفكر الشيعي الاثني عشري

الفيلسوف والباحث الشيعي محسن كديور يراجع ويصحح أهم نظرية في الفكر الشيعي الاثني عشري
الفيلسوف والباحث الشيعي محسن كديور يراجع ويصحح أهم نظرية في الفكر الشيعي الاثني عشري

من المعروف أن السائد عن الإمامية هو أن الأئمة الـ 12 معصومين، وبحسب النظرة الشيعية التقليدية، يشكّل الأئمة حبل وصل بين السماء والأرض، وهم مع القرآن الكريم، الثقلان اللذان أوصى النبي بالاحتكام إليهما والتمسك بهما قُبيل وفاته، وهم أيضاً حجج الله وشهوده على خلقه.

لكن بعض الباحثين الشيعة عارضوا الاعتقاد الإمامي التقليدي في الأئمة، وعلى رأس النظريات التي طُرحت بهذا الخصوص تأتي نظرية الدكتور محسن كديور، المعروفة باسم نظرية “العلماء الأبرار”، وقد أحدثت مجادلات ومناقشات واسعة في الأوساط الفكرية الشيعية، بين مؤيدين رأوا فيها خطوة تقدمية إصلاحية، ومعارضين نظروا إليها كنوع من أنواع الخروج عن ثوابت المذهب.

ويرد على موقع كديور الإلكتروني أنه فيلسوف وعالم دين شيعي إيراني بارز، درس على يد عدد من العلماء الشيعة المعروفين، ومن أهمهم آية الله حسين علي منتظري، وعمل بعد الحصول على درجة الدكتوراه بالتدريس في حوزة قم، وهو معروف بمعارضته لنظام الولي الفقيه، وتأييده للتيار الإصلاحي في إيران، ما عرّضه لمضايقات أمنية أجبرته على اللجوء إلى الولايات المتحدة حيث يقيم حالياً ويحاضر في عدد من أشهر جامعاتها.

عرض كديور نظريته عن الإمامة في كتابه “القراءة المنسية/ إعادة قراءة نظرية ‘الأئمة الاثنا عشر علماء أبرار’ وأربع مقالات أخرى”، واعتبر أن مفهوم الإمامة عند الشيعة مرّ بتطورات وتغيّرات كبيرة ومحورية في القرون الهجرية الخمسة الأولى على وجه الخصوص، ذاكراً أن الاعتقاد السائد في الأوساط الشيعية في القرنين الأول الثاني كان يتمثل في القول إن الأئمة الـ12 مجرد بشر، وإنهم علماء أبرار معروفون بالتقوى والصلاح والزهد، وكانوا يجتهدون في المسائل العلمية والشرعية مثل غيرهم من العلماء والفقهاء المعاصرين لهم.

ويعتقد كديور أن القول بصفات العلم اللدني، والعصمة والتنصيب الإلهي للأئمة، هي من المستجدات التي نسبها غلاة الشيعة إلى الأئمة، في القرن الثاني، والتي ذاعت واشتهرت شيئاً فشيئاً حتى استطاعت أن تصبح بمثابة العقائد الثابتة والرئيسة للمذهب الإمامي مع حلول القرن الخامس الهجري، لتندثر بذلك نظرية العلماء الأبرار ولتصبح “قراءة منسية” وليتم التغافل عنها وتجاهلها بشكل كامل مع مرور الزمن. ويستشهد على ذلك بقول عبد الله المامقاني المتوفى عام 1315هـ، في كتابه “تنقيح المقال في علم الرجال”، “إنّ أكثر ما يعدّ اليوم من ضروريات المذهب في أوصاف الأئمة كان القول به معدوداً في العهد السابق من الغلو”.

وعمل كديور على إعادة قراءة بعض المصادر الشيعية القديمة في محاولة للعثور على آثار هذه القراءة المنسية، وبدأ بدراسة أخبار علماء مدرسة قم الشيعية في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وذكر أن تلك المدرسة حملت لواء الدفاع عن النظرة البشرية للأئمة ضد مدرستي الكوفة وبغداد اللتين روّج علماؤهما لنظرية الأئمة المعصومين.

ويستشهد كديور على طرحه بأفعال وأقوال اثنين من علماء قم المشهورين في تلك الفترة، وهم أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، إذ قام الأول بطرد مجموعة من رواة الحديث من قم بعدما ثبت لديه غلوهم في صفات الأئمة، أما الثاني فكان ينفي عصمة الأئمة ويدرس ذلك لتلاميذه، وكان من بين الأقوال المشهورة عنه: “إن أول درجة في الغلو هو نفي السهو عن النبي”، حسبما نقل عنه تلميذه الصدوق في كتابه “مَن لا يحضره الفقيه”.

ومن المعروف أن قضية سهو النبي احتلت مكانة مهمة في المناقشات العقائدية والكلامية عند الشيعة الإمامية، لارتباطها بمسألة العصمة المطلقة للأئمة، فكان قول ابن الوليد بإمكانية وقوع السهو على الرسول هو في الحقيقة نفي لنظرية عصمة الأئمة الاثنا عشر بالتبعية، حسبما يوضح كديور.

وفي القرن الثالث، يستشهد كديور بكل من ابن قبة الرازي وأبي سهل النوبختي، وكلاهما من علماء الشيعة المعروفين والمشهورين، إذ صرّحا في عدد من مؤلفاتهما بما يخالف القول بمعرفة الأئمة بالغيب، ونفيا أن يكون علم الإمام علماً لدنياً من عند الله مباشرة.

أما في القرن الرابع، فقد أبرز كديور كتابات ابن الجنيد الإسكافي، وهو أحد كبار العلماء الشيعة الإمامية في زمنه، وكان يعتقد بأن “قول الأئمة رأي لهم، والرأي أو الاجتهاد أمر كسبي، وبحسب المتعارف عليه فإن اكتساب العلم البشري ليس مصوناً من احتمال وقوع صاحبه في الخطأ”. ويبرز كديور الآثار الفقهية التي انبنت على وجهة نظر ابن الجنيد، ومنها قوله بالقياس، وقوله بأنه لا يجوز للإمام أن يحكم بعلمه في شيء من الحقوق والحدود.

ورجع كديور أيضاً إلى كتاب “الضعفاء” الذي صنفه العالم الشيعي المعروف أحمد بن الحسين بن عُبيد الله البغدادي المعروف بابن الغضائري، في القرن الخامس الهجري، ودرس سيرة الرواة الذين قام ابن الغضائري بتضعيفهم في كتابه، ووصل إلى أن الكثيرين منهم تم تضعيفه بسبب الغلو في وصف الأئمة، وإضفاء صفات العصمة والعلم الغيبي عليهم، وهو ما استنتج منه أن قطاعاً كبيراً من الشيعة في تلك الفترة كان محافظاً على اعتقاده في النظرة إلى الأئمة بشكل بشري، بدليل تقبل الأوساط الشيعية لكتابه.

مقتبس من مقال للدكتور محمد يسري

نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة