كلام الأستاذ الحيدري عن المرجع الخوئي

كلام الأستاذ الحيدري عن المرجع الخوئي


 قبل فترة من الزمن انتشر تسجيل صوتي مسرّب يتحدّث فيه السيد كمال الحيدري لطلبته عن المرجع الخوئي بكلام لا ينّم عن تحرّي مواطن الصدق وتقصّي موارد الحقّ، والغريب أنّه تشبّث بحكايات سمجة لا يصح رصفها في خانة التوثيق.
ولا بدّ لي من البوح بأنّي لست من مقلدي المرجع الخوئي، كما أنّ مناقشتي لكلام الأستاذ الحيدري والتعليق على ما ذكره لم ينطلق من خصومة شخصية لفضيلته ولم يصدر لأجل حقد ذاتي لجنابه، وإنّما القصد من ذلك هو لفت الأنظار وتنوير الأفكار.
المهمّ إنّ ممّا جاء في التسجيل أيّها الأعزّة الكلام الآتي:
1- ذكر الأستاذ الحيدري أنّ المرجع الخوئي لما قعد أمام الطاغية صدام بال على روحه.
تعليق: من يشاهد الفيديو لا يلحظ أي من هذا الافتراء، كما أنّ أحد الأخوة الثقاة استفسر من أقاربه الذي كان أحد كبار ضباط الحرس الجمهوري عن هذه المسألة، فنفى له حدوث ذلك، وذكر له أنّ المرجع الخوئي أصابه الخوف لكنه بقي متماسكاً.
2- ذكر الحيدري أنّ الطاغية الشاه كان إذا يدخل على المرجع الخميني يرجف واذا سمع باسمه يرتعد.
تعليق: متى دخل الشاه على الخميني؟ ومتى كان الشاه يرتعد حين يسمع باسم الخميني؟
لو كان هكذا الكلام له مقداراً من الصحّة لما أوقف الشاه الخميني وكاد يعدمه قبل نفيه إلى تركيا لولا تدخّل بعض الفقهاء والمراجع ومنهم شريعتمداري.
3- قال الحيدري مستهجناً لانقياد الخوئي للحرس الخاصّ الصدامي وذهابه معهم إلى بغداد: لماذا ذهبت معهم؟
فقال له أحد طلبته: ألزموه بالذهاب.
فردّ عليه الحيدري قائلاً: كيف يلزموه؟ بالقتل؟ فليقتل! ثمّ ماذا؟ وإذا كتّفوك وخذوك إلى صدام أدخل أنت عليه واضربه بعصاتك على رأسه، فماذا سيفعل غير أنّ يقتلك وتستشهد، فاذا كان كذلك فإنّك تصير إمام العالمين أو قال: تنصر إمام العالمين- الترديد منّي لعدم وضوح العبارة- وتسجلّ للتاريخ.
تعليق: كأنّ الأستاذ الحيدري لا يعلم أنّ من يدخل على اللعين صدام يُفتّش بدقّة ولا يبقى على جسده سوى ملابسه وما لا يشكّل خطراً على حياة صدام.
على أنّ توزيع درجات الجنّة ورفع مقام الميت ليس بيد فضيلة الحيدري ولا غيره، فالتكليف في ظرف التقيّة معروف عند طلاب العلوم الشرعيّة وفضلاء الحوزة الدينيّة، فضلاً عن فقهاء المذهب، وما فعله الخوئي يماثل ما فعله الإمام علي عليه السلام يوم أقتيد إلى السقيفة، ويشاكل ما مارسه الإمام الصادق والكاظم والعسكري عليهم السلام في فترة حكم (المنصور والرشيد والمتوكل) الطغاة من بني العباس.
فاللائمة لا تقع على الخوئي، وإنّما تقع على من لم يركّز في النصوص المعتبرة، ولم يتمعّن في السيرة، بل تجاوز مضامينها النيّرة، ورمى المتمسّك بالأدلّة المتينة بكلمات انتقاصيّة ووصم صاحبها أنّه جبان حلسي صامت كلاسيكي!
والعجب ممّن يدّعي التحقيق والموسوعيّة كيف فاته مراجعة الروايات والتاريخ والسيرة التي تحدّثت عن أنبياء ومعصومين صلوات الله عليهم جميعاً حضروا بين يدي الطواغيت، واستعلموا التقية والمداراة، ولم يتّخذوا طريق الاندفاع إلى الموت بأي وسيلة ولم يقدموا على الرحيل كيفما كان؟
لم هذا الاصرار على موقف الإمام الحسين عليه السلام مع أنّ وظيفته في زمن إمامته مختلفة عن وظيفة بقيّة الأئمّة عليهم السلام؟
لِمَ نقتطع سيرة واحدة لها خصوصيّاتها، بحسب ما ورد في بعض الوثائق، ونلتزم بها ونروّج لها، وننبذ سيرة ومنهجيّة تسعة أئمّة من ولده نحن مأمورون بطاعتهم وتطبيق ارشاداتهم واحتضان عهودهم؟
لِمَ نتلمّس المسار من قضية خارجيّة، ونصوّب سهامنا على جادّة تمثّل لنا قضيّة حقيقيّة؟
إنّ وصايا الأئمّة التسعة من ولد الإمام الحسين عليه السلام لشيعتهم في زمن حضورهم وكذلك لمن يُدرك زمن الغيبة نجدها متباينة ومتغايرة مع فترة إمامة سيد الشهداء، فلا ينبغي للمرشدين خلط الأمور على الموالين وأتباع أهل البيت.
نعم، يريد البعض أن لا نقتدي بهؤلاء القادة العظماء الهداة النجباء ولا أن نتأسّى بهم في منهج الحياة ونسير على خطاهم في درب مشروع غير ممنوع لحفظ الأرواح وحقن الدماء.
أما يكفي هؤلاء، على أقلّ تقدير من وجهة نظرهم، قصّة الصحابيّين الذين ظفر بهما اللعين مسليمة وطلب منهما الشهادة له بالرسالة، فاستجاب له أحدهما تقيّة، وأقرّه المعصوم على فعلته.
هل يقنعهم هذا أم يقنعهم من يُفتيهم من جراب النورة؟
ولنفرض أنّ الخوئي ترك التقيّة وقُتل، فما هي النتيجة والحصيلة المرجوّة من تصفيته؟ وكم هو حجم استثمار هذا الحدث ومقدار استغلاله ومدى انعكاسه على الشارع العراقي وحراكه الذي شُتت وأُبيد شبابه وذُبح فتيانه وهُتكت حرماته ودُنّست مقدّساته؟
ثمّ أليس تصرّف المرجع الخميني عندما أعتقله جهاز السافاك الدموي كان على هذا النحو من الانقياد لهم؟
ولو لم يكن كذلك لما رضي أن يصعد في سيّارتهم ويذهب معهم في المرّة الأولى إلى المعتقل، وفي المرّة الثانية إلى المطار لتسفيره من هناك إلى تركيا.
فمالكم كيف تحكمون؟
4- قال أحد الحاضرين للأستاذ الحيدري: علي الفياض- ويبدو أنّه رجل أمن- ضرب الخوئي بكفّه على وجهه.
فردّ عليه الحيدري: أنا لا أعلم صحّتها.
تعليق: عجيبة هذه الازدواجية في المعايير من الأستاذ، فهذه لا يدري بها، لكن تلك التي تلقّفها ولاكها بلا تدبّر يعلم بها!
وهذه ليست المرّة الأولى التي يستشمّ منها تحامل الأستاذ على المرجع وعدم الانصاف والدقّة في تقييم آراءه ومواقفه.
جدير بالذكر أنّ المرجع الخميني لم يضرب ولم تنزع عنه عمامته، والصور الملتقطة متوفّرة على صفحات الشبكة العنكبوتيّة حين أُخذ من البيت ووضع في سيارة أمن الدولة الشاهنشاهية.

نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة