العراق العالق بين الشيعة المتناحرين

العراق العالق بين الشيعة المتناحرين

مجلة البيان

في تحقيق لها نشر منذ عدة سنوات ذكرت مجلة المجلة اللندنية، أن طائفة الشيعة في العراق يتحكم فيها سبع عائلات إيرانية الأصل، منها عائلة الصدر التي ترجع جذورها إلى منطقة محلات القريبة من طهران، وقد أنجبت هذه الأسرة عدد من الأئمة البارزين في كل من إيران والعراق، ومنهم الإمام موسى الصدر الذي أوفدته الحكومة الإيرانية إلى لبنان في ستينات القرن الماضي لتنظيم صفوف الشيعة هناك، ومنهم أيضا محمد باقر الصدر الذي أصبح المنظر الرئيسي للشيعة الأصولية الجديدة قبل أن يغتاله رجال صدام، ومنهم أيضا محمد صادق الصدر الذي تعاون مع صدام لفترة وجيزة واعترف به النظام البعثي باعتباره مرجع التقليد ونسب إلى صدام قتله، وابنه مقتدى هو الذي يقود هذا التيار حاليا.


ومما لاشك فيه أنه مع نهاية القرن التاسع عشر ومع بدايات القرن العشرين دخلت فروع من القبائل العربية التي تستوطن أرض الرافدين في التشيع، وتخلت عن سنيتها وذلك راجع لعدة أسباب: أهمها الأموال التي تدفقت من المراجع الشيعية الإيرانية والتي هاجرت واستوطنت في العراق، ونجحت هذه المراجع في استمالة بعض أفخاذ هذه القبائل بالأموال، خاصة أنه من المعروف أن المراجع الشيعية تتغذى بأموال الخمس مما يجعل حريتها في تصريف الأموال كبير وعن طريق هذه الأموال تشيع عدد من العرب، في نفس الوقت الذي ترهلت فيه الإدارة العثمانية وتخففت قبضتها على البلاد.


وكانت عائلة الصدر من أكثر العائلات التي استقطبت العرب ودفعت بعضهم للتشيع، لذلك التف حولها بعض القبائل التي تشيعت.


وبعد سقوط نظام صدام حسين، استأنف مقتدى الصدر نشاط عائلته مجددا، وبنفس الأساليب السابقة من توزيع الأموال المجهول مصدرها، تمكن من استقطاب الشيعة الفقراء الى جواره خاصة في مدينة الصدر وهي من الأحياء العشوائية بجوار بغداد، واستطاع تكوين جيش المهدي بمباركة الاحتلال الأمريكي، ليقف في وجه المقاومة العراقية السنية والتي هبت لتخليص العراق من الاحتلال.


ولكن وضع مقتدى الصدر نفسه في مربع مختلف عن بقية الأطياف الشيعية، فقد كان يدرك جماهيريته خاصة أنه لم يأت على دبابة أمريكية، كما أنه لم يهرب الى إيران كما فعلت العائلات ذات المرجعية الشيعية الأخرى في فترة صدام، واستخدم الخطاب الدعائي والشعارات الديماجوجية من أمثلة تحرير العراق من الاحتلال والتعاون مع السنة، كما أبقى موقفه غامضا من الوجود الإيراني في العراق مستقطبا الشيعة العرب الذين يكرهون الدور الإيراني في أرضهم.


وتمكنت كتلته من دخول المعترك الانتخابي وحصلت على أعلى الأصوات من دون أن تتمكن من تشكيل حكومة بمفردها، وهذا الذي كان دائما يقلق الصدر ودفعه الى تحدي النظام الذي أوجده الأمريكان بمساعدة إيرانية.


في المقابل كان قد تشكل الإطار التنسيقي في أكتوبر 2021، بهدف تنسيق مواقف القوى الشيعية الرافضة للنتائج الأولية للانتخابات البرلمانية المبكرة والمناوئة لمقتدى الصدر، والتي طالبت بإعادة فرزها يدويا، بسبب التراجع الكبير لعدد مقاعدها قياسا إلى الانتخابات السابقة، وضم الإطار مجموعة من القوى الحليفة لإيران وفصائل الحشد الشعبي، وهي: ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وتحالف الفتح بزعامة هادي العامري، بالإضافة إلى تحالف قوى الدولة بزعامة عمار الحكيم وحيدر العبادي.


ولكن الموقف الايراني يبدو مريبا وغامضا، فهي على ما يبدو تستخدم الطرفين الشيعيين كلعبة مزدوجة، وذلك لبسط سيطرتها على كل شيعة العراق.


فالشيعة من الأصول العربية وهم غالبية شيعة العراق، باتوا يرون في الدور الايراني على أرضهم مقوضا لبلدهم ومكانته في المنطقة، والذي تراجع دوره بعد الاحتلال الأمريكي وطغيان النفوذ الإيراني ليصبح بلدا مهمشا مسلوبة ثرواته، وغير مؤثر كقوة يعمل الآخرون حسابها.


ولذلك صدرت إيران لهؤلاء مقتدى الصدر ليتمكن من استيعابهم، بينما بقية الأذرع العسكرية تقوم بدورها في قمع أهل السنة، أو في إطار دورهم داخل منظومة فيلق القدس الإيراني.


وهذا بالطبع لا ينفي التنافس بين هذه المجموعات الشيعية، ولكنه تنافس يتم توظيفه بحيث يجري داخل منظومة الاستراتيجية الايرانية والتي تدير بها العراق وتجعله خاضعا لمخططاتها. 
نشر :

نموذج الطلب

 تم إرسال الطلب بنجاح، وسنقوم بالتواصل معكم في أقرب وقت ممكن.
خطأ: برجاء إعادة المحاولة