لمجلس الشيعي يحارب التنوع ويدعو للاحتكار داخل الطائفة

لمجلس الشيعي يحارب التنوع ويدعو للاحتكار داخل الطائفة

الشيخ محمد علي الحاج العاملي

من المفارقات أن يكون الداعي لإحياء ذكرى نصف قرن على تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى هو الشخص الأكثر مطالبةً بإلغاء هذه المؤسسة، وأخواتها. كما أن من المفارقات أن أبعد شخص عن أن يكون له مصلحة شخصية في المجلس الشيعي هو نفسه يتخصص في شؤونه وشجونه.

ولعل هذا الثالوث من: الزهد الشخصي بالمؤسسة، والدعوة لإلغائها، والتخصص في شؤونها؛ مرده لأننا نريد أن نقول للشيعة: حسبنا الدولة. كما نقول للبنانيين: نريد وطناً جامعاً، وطناً يحترم الطوائف ويترك لها خصوصياتها، من دون أدنى ارتباط عضوي بين الدولة ورجال الدين.

في يوبيل المجلس، الذهبي، مسامحة في التعبير، جيد لو يتساءل الشيعة: ماذا نريد من هذا المجلس بعد اليوم؟ وجيد لو يتساءل اللبنانيون: عن جدوى هكذا مجلس!

فإذا كان سعي الشيعة في خمسينات وستينات القرن المنصرم لتأسيس كيان ملي للشيعة كي يحصل نوع من التوازن، ولتحقيق العدالة على مستوى الطوائف اللبنانية، في وقت كانت الطوائف الأخرى قد نظّمت شؤونها الدينية باستثناء الشيعة، فإن هذه المساواة قد تحققت منذ نصف قرن،  ولم يعد الشيعة أدنى من سواهم.

واليوم صارت طموحات القاعدة الشعبية الشيعية، التي يعبّر عنها البعض غمزاً أو همساً وآخرون يجاهرون بها، أنهم يريدون نظاماً عادلاً، ولم يعد المطلوب مؤسسة شيعية فحسب.

وأما النخبة في الوسط الشيعي فتذهب أكثر من ذلك، وتعتبر أنه كفانا أنظمةً دينية في غير مكانها، وآن لنا أن نكف عن زج الدين في شؤون الإدارة السياسية للبلاد، ولا نريد توظيف رجال الدين في أجهزة الدولة، ولا نريد مزجاً بين الدين والسياسة.

وأضيف إلى ذلك، إذا كان قد ارتبط اسم المجلس الشيعي،  في المرحلة الأولى من تأسيسه، بشعارات رفع الظلم عن المحرومين، وبرفض الاحتكار السياسي لدى الطائفة الشيعية، وبمحاربة الإقطاع السياسي.. وهي شعارات في الأساس محقة؛ لكن هل حافظ المجلس على هذه الرؤى!؟

وفي هذا السياق أجدني مضطراً لمصارحتكم بأنه لم تكن خلفية الثورة أو الحراك ضد المجلس الشيعي – في المراحل الزمنية الماضية – تعود لكون المجلس لم يستثمر أوقاف الطائفة بشكل جيد فحسب، أو لكونه لم يتم إجراء الانتخابات العامة منذ سنوات طويلة فقط، أو سواها من مفاهيم كنا قد أضأنا عليها وانطلقنا منها في محاولتنا لإصلاح واقع المجلس وبنيته؛ بل الهدف الأساس كان أن هذا المجلس لم يعد من دعاة التنوع السياسي ضمن الطائفة كما كان، ولم يعد يشكل ضمانة لهذا التنوع كما يفترض، بل أضحى يحارب التنوع، ويمنع قيام حيويات سياسية ضمن الطائفة.

  كما ساهم في إحكام الاحتكار السياسي لدى الشيعة، وتالياً فقد انقلب على أحد أهم مبررات وجوده، كما خان تاريخه في هذا المجال.


نشر :

نموذج الطلب

 تم إرسال الطلب بنجاح، وسنقوم بالتواصل معكم في أقرب وقت ممكن.
خطأ: برجاء إعادة المحاولة