وجيه قانصو: «حزب الله"... صانع لبنان على «شاكلته وهيئته»!

وجيه قانصو: «حزب الله"... صانع لبنان على «شاكلته وهيئته»!
 
يخص الدكتور وجيه قانصو «جنوبية» بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع ومنصاته.

الكلام الأخير لنائب الأمين العام لحزب الله، بـــ “إنّنا مع لبنان الّذي يريد مستقبل أجياله، ويكون سيّداً مستقلّاً وقويّاً، فهذا لبنان الّذي أصبحت له سمعة في ‏العالم بسبب المقاومة وبسبب الانتصارات، هذا هو لبنان الّذي نريده، فمن أراد التَحق به، ومن لم يرد فليبحث عن حلّ آخر. أنتم لا تشبهون لبنان، نحن الّذين نشبهه، لأنّ من يرتبط بوطن يجب أن يرتبط به سيّداً حرّاً مستقلّاً”.

هذا الكلام لا يعبر عن موقف سياسي، أو تعزيز مواقع القوة، أو مجرد طمأنة جمهور مؤيد، أو زرع ثقة في نفوس العناصر والأتباع. وليس أيضاً خطاب استهلاك، أو لغة جدل يندرجان في خانة الرد والرد المضاد، بل هو تعبير، واع أو غير واع مقصود أو غير مقصود، عن ذهنية  ووجهة خاصتين بالحزب، في عقله وأدائه واستراتيجياته العامة. 

أما الذهنية فهي قراءة الواقع لا من معطياته ومظاهره وتجلياته، إنما قراءة ما يحقق للحزب تقدماً في المواقع، واتساع في بسط الهيمنة.  ذهنية تختزل الوطن بذات حامليها، وتختزل حال اللبنانيين، بحال عناصر الحزب وهواجسهم ورغباتهم. 

فلبنان ليس إلا الذي يشبههم ويكون مثلهم، لبنان الذي يُمكن حزب الله من إحكام قبضته على مفاصل قراره، يرى في إدخال المازوت الإيراني كسراً للحصار، وليس انتهاكاً للقانون وإضعافاً لخزينة الدولة، ويرى في تصريحات بعض الوزراء ضد دول الخليج، ظهورٌ لخط الممانعة وليس إساءة لمصالح لبنان، في تعطيل الحكومة ومنعها من الانعقاد، معركة كرامة ومصير وليس انهياراً لمؤسسات الدولة.

قاسم خيّر اللبنانيين في إطلالته الأخيرة بين “لبنان حزب الله” او الرحيل ومن يرتبط بلبنان يجب ان يكون “حراً وسيداً ومستقلاً ، ولأنها ذهنية مستهلكة بنفسها بالكامل، يصبح الكون كله على قياسها، لا يعود هنالك فسحة للاختلاف والتنوع، ولا يعود آخر أو مختلف.  بالتالي تصبح ذهنية قاصرة، لا ترى ألم ووجع ومعاناة هذا الآخر أو المختلف داخل الوطن، لأن أصل وجوده بات خارج دائرة إدراكها وفهمها وحاشيتها

ذهنية لا ترى وطناً ينهار وعلى مشارف الانمحاء من خارطة الدول، لا يعود يعنيها عُملة وطنية منهارة أو اقتصاد متآكل،  ولا تعود تفهم معنى الجوع والعوز طالما أن الحزب محصن ومتماسك،  بل ترى هكذا ذهنية تتذمر، من رفع الصوت والاحتجاج على ما وصلت إليه الأمور، وترى فيها محركات كيدية وتوجيهات أجنبية. ذهنية تنشغل في تسجيل انتصارات وهمية وكاذبة، ما يفقدها القدرة على تبصر الكثير من التفاصيل، وعلى رؤية المشهد بكليته وتصور مآلاته.

ذهنية تتلاعب بالمفاهيم، وفي حال حسن الظن تجهل حقائق المفاهيم، وتتداولها بطريقة عبثية وساذجة. فالسيادة والاستقلال والحرية، مفاهيم تأخذ في خطاب حزب الله وتداوله لها، معنى مغايرا لأصولها النظرية وحقيقة مناقضة لدلالاتها ومعانيها. فالسيادة لا يقررها حزب بل شعب، واستقلال الوطن لا تنطق بإسمه قوة مسلحة بل دولة، والقوة لا تقاس بقوة الفتك وأسلحة الدمار، بل في خلق الشرط الإنساني لحياة كريمة. 

أما الحرية فهي حقيقة إنسانية، لا تتصف بها الأوطان، بل تتصف بها الشعوب والأفراد، هي هذا الحق المقدس الذي لا يقبل الانتزاع، في ان يقول كل فرد ما يريد، ويعبر ويفكر ويعتقد بما يريد، من دون وصاية من أحد أو حتى توجيه من جهة. 

إنها ذهنية تتجنب الشفافية بل تخاف منها، تفضل زرع الأوهام بدلاً من عرض الحقائق، تتأذى من النقد وترتعب من المسائلة، تصرف النظر عن المشكلات الحقيقية.

السيادة لا يقررها حزب بل شعب واستقلال الوطن لا تنطق باسمه قوة مسلحة بل دولة.

أما الوجهة، فما ذكر يعبر عن سياسة مبطنة، واستراتيجية أداء، تريد أن تجعل من لبنان على شاكلتها وهيئتها، أن تعمم ثقافتها لا بصفتها ثقافة منافسة، بل ثقافة تملأ الساحات والمنابر وتحتكرها. أن تنتج بل تفرض هوية جديدة للبنان، ليس لجهة ولاءاته السياسية فحسب، بل لمعنى الحياة والوجود، لقواعد المباح والمحظور، لقيم الخير والشر، ومبادئ الشرعية.  في خلق نظام علاقات يفصله عن محيطه الحيوي ومدى فاعليته الاقتصادية، في عزله عن العالم وتحويله إلى صحراء مقفرة لا حياة فيها، وكهف مظلم يأوي إليه كل حاقد على ضوء النهار. 

هي وجهة مندفعة ومصرة، لا تحاور ولا يعنيها أن يقتنع أحد بها، وسيلتها الإكراه والغلبة، والقدرة على الإخضاع، والابتكار في الترهيب، والتفنن في صياغة التهم وأنواع التخوين. 

الانتخابات بالنسبة لحزب الله مجرد تفصيل وهي مجرد توزيع أدوار مسألة بقاء وجوه وتغيير وجوه أخرى

وفق هذه الوجهة، تصبح الانتخابات بالنسبة لحزب الله مجرد تفصيل، روتين وحدث شكليين. فالانتخابات بالنسبة إليه مجرد توزيع أدوار، مسألة بقاء وجوه وتغيير وجوه أخرى، أما الأصل الذي يحكم الواقع ويتحكم بكل مقدرات لبنان، فلن تعدل الانتخابات شيئاً في مستقراته وصلابته، بل بات ثابتة من حقيقة لبنان الحالي. 

في الوقت الذي تنشغل فيه القوى السياسية بخلق معادلة سلطة جديدة، فإن حزب الله يعمل على خلق لبنان جديد يشبهه.
نشر :

نموذج الطلب

 تم إرسال الطلب بنجاح، وسنقوم بالتواصل معكم في أقرب وقت ممكن.
خطأ: برجاء إعادة المحاولة