منع كتب السيد محمد حسين فضل الله معرض النجف الدولي للكتاب

منع كتب السيد محمد حسين فضل الله معرض النجف الدولي للكتاب

محمد طراف/ مدير التحرير في المركز الإسلامي الثقافي

الفكر في مواجهة التحجّر

{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة : 32]

في كل مرة أجدني مضطراً للكتابة في مواضيع أو أمور كنت أحسبها  - مخطئاً- قد انتهت بمرور الزمن، ولم يعد لها وجود، وأن العقل البشري والنفوس، قد زال تكلس الجهل والحقد عنها. وأن تقلب السنون والأيام يزيل بعض رواسب الذاكرة، وينسى البعضُ ما كان يؤرّقه بعد أن خلت الساحة، ورحل من كان يتخذونه عدواً وخصماً، وإن كانوا يَقْصُرون ويقصّرون في مجاراته. ولكن متسافل الدرجات يحسد من علا. قد يعتقد البعض أننا نقدس شخصاً قد ذهب إلى ربه، ونحن لا نزال نعيش على أمجاد صنعها، أو أننا ندمن المآسي والظهور بمظهر المظلوم، ونرفع شعار المظلومية أينما حللنا. ولكن الحقيقة بخلاف هذا، لأن لا قداسة لأحد دون المعصومين ولا عصمة. إنما نحن لا شغل لنا غير الإسلام، فنحن المولعون به نتبعه أينما كان، ونعمل على محاولات نشره أنى وفّقنا اللهُ لذلك. مدركين أن الله يدافع عن الذين آمنوا، وأن ما ينفعُ الناس يمكث في الأرض، وأن الله كفيل بما كان لوجهه تعالى، وأن كل محاولة لنشر الوعي ستجد ألف سدّ في وجهها، وحراساً لجهل مقدس هنا وظلام فكري دامس هناك.

من كلام للمرجع السيد فضل الله( رض) يقول: "لا تمكّنوا الجهلة من السيطرة على المجتمع". فكيف بنا إذا تحكّم بالمجتمع وأهله المتدينين أناسٌ أعمى الحقد الأسود أعينهم، وملأ الجهل عقولهم، وشحن الحسد صدورهم، فإذا نطقوا فكفراً، وإذا دبروا فمكراً، لا لشيء إلا لخوف من ضوء بات يراه الجميع في نهاية النفق المظلم الذي أدخلوا البسطاء من المؤمنين فيه باسم الدين والخوف على المذهب، ومنعاً (للانحراف) عن التشيع، لا بل باسم إماتة البدعة والضلالة.

يمكن لنا نحن الذين نعيش خارج عالمهم أن نرى بوضوح ما هم عليه، وكنا قد أسلفنا وقلنا مراراً وتكراراً، إن عليهم أن يدركوا أن هناك عالماً آخر مغايراً لما هم يختبئون داخله، ويحتجزون معهم وفي دائرة وهمية الكثير من البسطاء أو المضلَّلين، وإنه لم يعد هناك من شيء يخفى على من يطلب الحقيقة الجلية الواضحة، حقيقة الله والفكر والعقل، وإن الشمس لا يحجبها غربال، وإن الحق يمحق الباطل في كل حين.

 لسنا ندعي امتلاك الحقيقة، ولا أن من يخالفنا الرأي مخطئ، ولكن ندعي أن ما نحمله من فكر السيد فضل الله، وما هو إلا فكر أهل البيت، يمثل أحد الوجوه الناصعة للإسلام، وأنه أحدث فجوة في جدار الجمود والتقليد، أخذت تتسع يوماً بعد آخر، فقافلة المارين فيها تتواصل ويكبر قُطرها أكثر فأكثر، ولا فائدة من محاولات سدها ببعض السراب، لأن الزمن لا يمكن أن يعود للوراء. وإن كان البعض يعتقد أن زمانه ثابت لا يتغير.

 بعد سنوات عجاف من إلقاء فكر السيد في بئر الهجمات والتضليل، وتأخر السيارة في القدوم، وكَذِبِ واردِهم لأعوام بأن لا أمل في ماء للحياة، لأن البئر قد نضب، إلا أنّ  وارداً آخر آمن بالله جاء يسعى من أرض لبنان أعاد الكرة وكان عنده الثقة بالله أن نبع الله الصافي لاينضب، ولا يمكن أن يقضي عطشاً من توكل على الله. نعم أعاد المركز الإسلامي الثقافي – مجمع الإمامين الحسنين (ع)، وحمل على عاتقه مسؤولية نشر فكر السيد، أعاد  إخراج الفكر، وأقام له السُّبل، وأباحه للعطاشى، فأنبت كل سبيل عشر سنابل للفكر وضاعفه الله.

 لن تخسر النجف السيد فضل الله مرتين، ولقد استعادته بعد عقود من الغياب، فكراً لا جسداً، وروحاً ونبع عطاء. جاءهم صانعُ عصر النور، والمجدد المُحب… احتضنهم (من أحبه، ومن خالفه، ومن أبغضه) وأعطاهم الحب وعلمهم معنى أن تكون إنساناً.

تركهم السيد فرداً، يحمل فكراً، وعاد إليهم أمة من الفكر، وثراثاً ثراً من العلم، وكُتباً ومؤلفات ملأت الدنيا وشغلت الناس، سبقت عصرها، وأحيت الماضي الأصيل وضخت الحياة بما أماته الجمود. ظن مناوئوه أنه مضى وانتهى في بادئ الأمر، وكل هذا الموجود في دفتي كل كتاب، لا يختلف عما حوته رفوف الكتب، وأزقة الأسواق والمكتبات. ولكن بعد سنتين اثنتين لا أكثر، أدركوا أنهم أخطأوا الحساب، وأن هذه كتب ناطقة، وأن ما فيها يفضحهم، ويجلو غشاوات العمى عن بصائر الكثيرين، وأن غرفهم تضيق عليهم حتى بدت كاللحود وشعروا بضغطتها أكثر فأكثر.

صدر القرار دون توقيع، والاسم مجهول: لا مكان لكتب السيد في معرض النجف الدولي للكتاب، وكلٌّ يرمي المسؤولية على الآخر، والآخر يتنصل منها. ومنذ اللحظة الأولى لبدء المعرض بنسخته التاسعة، علت الصيحات من الداخل، وبات المعترضون على المنع يتزايدون، وانهالت علينا الرسائل، والاستنكارات وأنه يجب أن لا يمر هذا الأمر كأن شيئاً لم يكن.

نعم نعترف أننا أخطأنا حين ظننا أننا لا نريد إحداث فتنة أو مشكلة أو شق صف، ولكن اكتشفنا أن الكثيرين سبقونا بأشواط في نشر فكر السيد. فرب ضارة نافعة، ما حدث وسيحدث أكثر بكثير مما كنا نتوقعه، والأمور بخواتيمها، وإن كنا لا نرجو إلا الخير وإصلاح ذات البين.

والمضحك المبكي أن يُسمح بعرض كتب الإلحاد والكتب التي تهاجم المذهب وأعمدته وتعمل على هدم أُسسه، وكذلك بعض الروايات التي تحوي إيحاءات لا أخلاقية، أو حتى أغلفة مفسدة، وما هذا إلا لأنها لا تشكل أي ضرر أو منافسة لمشروع البعض (الفكري)، والذي لا يخاف إلا من انتشار الحقيقة، ولتعش عقول الناس في الأحلام والأوهام والغلو والغياب عن أرض الواقع.

 ففكر السيد يعمّ العراق لا النجف فحسب، وكل أرجاء العالم الإسلامي لا بل الإنسانية جمعاء، ومن كان حاضنته العقول لا ضير أن يغيب عن بعض الرفوف الصدئة، والتي نرجو صقلها. وفضاءات العالم الافتراضي، ومساحات العالم الالكتروني اتسعت إلى اللامحدود، وبات بمقدور أيِّ شخص أينما كان أن يصل إلى حقيقته المنشودة بـ (كبسة زر(، ويستطيع أيُّ كان أن يوصل معلومته أينما شاء.

ما حدث سيزيدنا عزيمة وإصراراً على العمل أكثر، وأن واجبنا الشرعي يحتّم علينا أن نحرّم على أنفسنا بعض الراحة، لأننا في عصر باتت الراحة محرمة على الدُّعاة والعاملين للإسلام.

 فكروا قليلاً ولا تخافوا من كل التاريخ المتخلف الذي عشتموه، ولا تزالون، وعيشوا الانتماء لفكركم، لأن من يملك قوة الانتماء لفكره لا يخاف من الفكر الآخر. وخذوا من فكر السيد ما فيه نُصْحٌ لكم، ولا تحوّلوه إلى الفكر الشهيد الذي تتعاطف معه الناس فقط لأنه مظلوم، ولا تعملوا على اضطهاده ومنعه لأن كل ممنوع مرغوب كما يقال..

إن كان فيكم رجل رشيد، فليستدرك ما اقترفت أيديكم، من محاولات منع ذكر اسم الله، وأن تُترك الناس لتؤمن كما هداها الله، لأن الزبد سيذهب جفاء وما ينفع الناس سيمكث في الأرض ليُنبت زرع الدين الخالص لله.

إننا فئة قليلة نعمل كمؤسسة رسمية تحت اسم المركز الإسلامي الثقافي في لبنان وفي أكثر من محافظة في العراق، ولكن هناك مئات الآلاف باتت تحمل فكر السيد في العراق، وتعمل جاهدة على نشره، دون مِنّة من أحد أو تكليف. بل تعمل لوجه الله لا تريد جزاءً ولا شكوراً، لأنها آمنت بهذا الفكر وهذا الخط ولن تحيد عنه إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

 وتصديقاً لمقولة انتشار الفكر، الرابط أدناه يحوي كل تراث السيد فضل الله، للتصفح والتحميل بالمجان.

 والله من وراء القصد


نشر :

نموذج الطلب

 تم إرسال الطلب بنجاح، وسنقوم بالتواصل معكم في أقرب وقت ممكن.
خطأ: برجاء إعادة المحاولة