تطورات المشهد العراقي (الصراع الشيعي الشيعي)

تطورات المشهد العراقي (الصراع الشيعي الشيعي)
المشهد الشيعي في العراق
عقب الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، تم تأسيس نظام محاصصة طائفية وعرقية نص عليها الدستور العراقي الجديد، واستندت المحاصصة إلى 3 مكونات أساسية، هم: الشيعة، والسنة، والأكراد.

– دخل الشيعة أول انتخابات برلمانية في عام 2005 ضمن ائتلاف موحد. وفازوا بأغلبية مقاعد البرلمان وسط مقاطعة السنة للعملية الانتخابية، حيث بلغت نسبة المشاركة في محافظة الأنبار السنية 2% فقط. لكن سرعان ما تفتت هذا الائتلاف، بل وتفتت الأحزاب والجماعات الشيعية ذاتها، مثل حزب الدعوة، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، والتيار الصدري، إلى عدة مكونات أصغر تتصارع حول عدة أمور، من أبرزها:

العلاقة مع إيران، وأميركا، والدول العربية، والتبعية لمرجعية النجف أو ولاية الفقيه، ونمط التعامل مع المكونات الأخرى للمجتمع العراقي.

الصراع بين:
_الشيعة العرب والفرس.
_العائدين من الخارج مع الاحتلال، والمعارضين لصدام من داخل العراق.
_والصراع حول النفوذ في الوزارات والمحافظات العراقية.

وتعد معرفة الجذور التاريخية للجماعات الشيعية العراقية أمرا مهما لفهم المشهد الحالي والصراعات الدموية فيه:

في البدء حزب الدعوة:
تأسس حزب الدعوة كأول حزب شيعي عراقي في عام 1957، وكان من أبرز مؤسسي الحزب؛ محمد باقر الصدر، في ظل دعم من المرجع الشيعي محسن الحكيم.

وفي عام 1969 انخرط الحزب في العمل المسلح ضد النظام الحاكم في العراق. ومع اندلاع ثورة الخميني، أيدها حزب الدعوة، لكنه اختلف مع مبدأ ولاية الفقيه. 

وفي عام 1980، مع اندلاع الحرب بين العراق وإيران، قاتل أعضاء حزب الدعوة إلى جانب القوات الإيرانية ضد بلادهم، أسس الحزب معسكراً لتدريب عناصره باسم (معسكر الصدر) في إيران. فأصدر الرئيس العراقي صدام حسين قرارا بإعدام المنتمين إلى حزب الدعوة ، وسبق أن أعدم فى ذات العام محمد باقر الصدر. 

انشقاق المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عن حزب الدعوة
انشق محمد باقر الحكيم، نجل المرجع الشيعي محسن الحكيم، عن حزب الدعوة خلال وجوده بإيران، ليؤسس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في عام 1982، بدعم كامل من النظام الإيراني. وشارك إلى جوار إيران في حرب العراق عبر ذراعه العسكري المسمى فيلق بدر.

قبيل غزو العراق
تحول حزب الدعوة إلى حزب معارض بالمنفى، وساهم تأسيس المجلس الأعلى في الخصم من رصيده، فيما بقى محمد الصدر داخل العراق يقود التيار الصدري، حيث تمتع بشعبية جارفة وسط الشيعة.

وفي عام 1999 اغتيل محمد الصدر مع أحد أبنائه، مما أدى لاندلاع أحداث شغب عُرفت باسم انتفاضة البصرة، قُتل خلالها ما يزيد عن 500 شخص. وتولى نجل محمد الصدر (مقتدى) زعامة التيار الصدري.

وبذلك صار في المشهد؛ حزب الدعوة كحزب سياسي بالمنافي المختلفة في إيران وأوروبا، والمجلس الأعلى وذراعه العسكري فيلق بدر في إيران، والتيار الصدري داخل العراق بزعامة مقتدى الصدر.

ما بعد الغزو عام 2003
عقب غزو العراق عاد، المنفيون بالخارج على ظهر الدبابات الأمريكية، وسرعان ما اغتيل محمد باقر الحكيم  في عام 2003، ليتولى شقيقه عبدالعزيز قيادة المجلس، قبل أن يتوفى في عام 2009، ليخلفه نجله عمار.

نسج المجلس الأعلى علاقات جيدة مع أميركا، وسيطر فيلق بدر التابع له على وزارة الداخلية، وأسس فرق الموت الشهيرة، التي نفذت مجازر جماعية ضد السنة لاحقا مع اندلاع الحرب الأهلية، عقب تفجير مرقد الإمام العسكري بسامراء في عام 2006.

أما مقتدى الصدر، فقد أسس مليشيا  في عام 2003 تدعى جيش المهدي، وقد انخرط جيش المهدي في مجازر دموية ضد السنة عقب تفجير مرقد العسكري في سامراء. 

المالكي ومزيد من تشظي حزب الدعوة
حكم نوري المالكي كرئيس وزراء للعراق خلال الفترة من 2006 إلى 2014، وهو منتمٍ لحزب الدعوة، وقد انتهج سياسات طائفية ضد السنة، بلغت أوجها عقب الانسحاب الأميركي من العراق نهاية عام 2011 بإصدار قرار اعتقال بحق نائب رئيس الجمهورية السني طارق الهاشمي. ومداهمة منزل وزير المالية رافع العيساوي، مما أسفر عن مقتل عدد من حراسه. كما فض اعتصام أهالي مدينة الحويجة السنية بقوة مفرطة، مما أسفر عن مقتل 50 شخصا. كما واجه اعتصامات رجال العشائر في محافظة الأنبار، في عامي 2012 و2013، بقمع شديد، واصفا إياهم بالوهابيين والبعثيين، رغم أنهم كانوا يطالبون بحقوق مشروعة، من قبيل إيقاف انتهاكات الشرطة ضد مناطقهم، وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية لهم.

مع نجاح تنظيم الدولة الإسلامية في اجتياح الموصل منتصف عام 2014، أجبرت أميركا المالكي على التنحي، وتم تعيين عضو حزب الدعوة حيدر العبادي رئيسا للوزراء. وهو ما أدى لخلافات في حزب الدعوة بين مجموعة المالكي ومجموعة أخرى دعمت العبادي.

الانشقاقات الأخيرة في الأحزاب الشيعية
خلال السنوات الأخيرة، تعرض المجلس الأعلى للثورة الإسلامية لانشقاقين بارزين، تمثل الأول في انشقاق قائد فيلق، بدر هادي العامري، بالفيلق بأكمله عام 2012، وتغيير اسمه إلى منظمة بدر، وقد تحالف العامري مع نوري المالكي. وعينه المالكي وزيرا للنقل.

أما الانشقاق الثاني فحدث في عام 2017، وقاده رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عمار الحكيم، حيث أسس تيار الحكمة.

 وفي عام 2014 تأسس الحشد الشعبي، وضم قرابة 62 فصيلا شيعيا، من أبرزهم:

ـ عصائب أهل الحق التابعة لقيس الخزعلي، وهو منشق عن التيار الصدري منذ عام 2005.

ـ كتائب حزب الله التابعة لأبو مهدي المهندس (جعفر إبراهيم)، وهو منشق عن حزب الدعوة، ثم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وفيلق بدر، الذي ترأسه لسنوات قبل أن يخلفه هادي العامري، وهو مصنف أمريكيا في قائمة الإرهاب، ومتهم في محاولة اغتيال أمير الكويت عام 1984، وقد تولى المهندس منصب نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، ثم رئيس أركان الحشد مع إعادة هيكلته في سبتمبر 2019 بعد إلغاء منصب نائب الرئيس من النظام الإداري للحشد. وفي مطلع 2020 تم اغتيال المهندس رفقة قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في ضربة أمريكية داخل الأراضي العراقية.

ـ سرايا الخراساني بقيادة علي الياسري، وهو فصيل منشق عن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وتأسس عام 1995، ويتبع ولاية الفقيه بإيران.

ـ كما أسس مقتدى الصدر سرايا السلام. فيما أسست المرجعية بالنجف عدة مجموعات، مثل لواء علي الأكبر لحماية العتبات والمراقد الشيعية.

وتم تعيين مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض رئيسا للحشد، فيما عُين أبو مهدي المهندس نائبا لرئيس الحشد. وقد أصدر حيدر العبادي، رئيس الوزراء السابق، قرارا باعتبار الحشد الشعبي تابعا للقوات المسلحة العراقية، لكن باعتباره كيانا قائما بذاته له هيكلته الخاصة، وتموله الدولة العراقية. وقد بلغت ميزانيته المعلنة مليار دولار سنويا.

ومن خلال إشراف المهندس على توزيع الموارد والمرتبات على مجموعات الحشد، صار يمنح الأموال بكثافة للمجموعات التابعة لإيران، ويحجب المساعدات عن المجموعات التابعة للصدر أو للمرجعية في النجف.

برزت للعلن خلافات بين الفياض رئيس الحشد، ونائبه المهندس، وصلت إلى مستوى إصدار بيانات رسمية ضد بعضهما البعض في عام 2019، على خلفية توعد المهندس باستهداف التواجد الأميركي في العراق، عقب الهجمات الجوية التي شنتها إسرائيل على مقرات الحشد في العراق.


وسبق في الانتخابات النيابية في عام 2018 أن فاز بالأغلبية تحالف (سائرون)، الذي شكله الصدر مع عدد من القوى المدنية والشيوعية (الحزب الشيوعي العراقي)، دون أن يتمكن التحالف من تحقيق أغلبية تسمح له بتشكيل الحكومة، فاتفق الصدر مع تحالف (الفتح)، الذي يقوده هادي العامري، والذي يتشكل من فصائل الحشد الشعبي، على اختيار شخص مستقل كرئيس للوزراء. فاختاروا عادل عبد المهدي، وهو قيادي سابق بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، كان قد استقال من المجلس في عام 2017، وليست له كتلة نيابية يستند إليها، وسبق له أن عمل وزيرا للتخطيط.

التظاهرات الأخيرة
تمثل التظاهرات الأخيرة في العراق ذروة التظاهرات التي تندلع بشكل متقطع منذ عام 2014 اعتراضا على تردي الخدمات الحكومية، وفصل المتعاقدين مع الوزارات، وبالأخص المتعاقدين مع وزارتي الدفاع والداخلية (تجاوز عددهم 108 ألف مفصول)، وانقطاع الكهرباء بشكل شبه دائم خلال فصول الصيف، والمحاباة والمحسوبية، وشبكات الفساد التي تديرها الجماعات والأحزاب الشيعية داخل الحكومة، والتي تصل إلى حد دفع رواتب عشرات آلاف الموظفين الموجودين على الورق فقط.

ويبدو أن حالة الاحتقان ضد إيران في الشارع الشيعي العراقي بلغت أوجها، وأن الجماعات والتكتلات الشيعية مقبلة على صدام بيني كبير ما لم تتدخل إيران للتوسط بين الأطراف المتنازعة، وامتصاص الغضب المتصاعد ضد سياساتها.

وقد ساهم في تأجج الأحداث الأخيرة؛ نقل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي للفريق عبدالوهاب الساعدي، نائب رئيس جهاز مكافحة الإرهاب من منصبه. فالساعدي بطل في نظر الشارع الشيعي، نظرا لدوره البارز في محاربة تنظيم الدولة، كما أنه مقرب من أميركا، التي أسست ودربت جهاز مكافحة الإرهاب. وقد خرج الساعدي في التلفاز ليقول: إنه أبعد من منصبه بعد اكتشافه وجود 200 شخص في الجهاز على الورق فقط يتقاضون مرتبات.

وقد شهدت المظاهرات إحراق صور علي خامنئي، وإحراق مقرات أبرز تنظيمات الحشد الشعبي في جنوب العراق، فيما تصدت عناصر المجموعات التابعة لإيران للمتظاهرين. وحدثت في بعض الأماكن اشتباكات بين سرايا السلام التابعة للصدر، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، التابعة لإيران.

وفي نهاية أكتوبر2019  سحب الصدر والعامري دعمهما لعادل عبد المهدي، والذي تقدم برزمة إصلاحات اقتصادية ضد الفساد، لا يثق الشارع الشيعي في قدرته على تنفيذها، والوقوف في وجه مليشيات الحشد. وبنهاية نوفمبر قدم عبد المهدي استقالته لمجلس النواب العراقي.

ويبدو أن حالة الاحتقان ضد إيران في الشارع الشيعي العراقي بلغت أوجها، وأن الجماعات والتكتلات الشيعية مقبلة على صدام بيني كبير ما لم تتدخل إيران للتوسط بين الأطراف المتنازعة، وامتصاص الغضب المتصاعد ضد سياساتها.

وبعد تولي الكاظمي لا يزال الوضع على ما هو عليه من تأزم وتشظي وتفرق مما يجعل الوضع السياسي منفتحا على مزيد من الاضطرابات والانهيار تحت حكم الطبقة السياسية الشيعية بصراعاتها المختلفة.


نشر :

نموذج الطلب

 تم إرسال الطلب بنجاح، وسنقوم بالتواصل معكم في أقرب وقت ممكن.
خطأ: برجاء إعادة المحاولة