ثانيا الكيسانية والمختارية

1- الكيسانية
2- المختارية
أ- كيف صارت الكيسانية مختارية؟
ب- مؤسس المختارية (المختار بن أبي عبيد الثقفي
ج- التعريف بمحمد بن الحنفية واختلاف الشيعة بعده




1- الكيسانية

بدأ ظهور هذه الفرقة بعد قتل الخليفة الراشد علي رضي الله عنه، وعرفوا بهذه التسمية واشتهروا بموالاتهم لمحمد بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية، وظهر تكونهم بعد تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنهما (1).
فحينما تم الصلح مالوا عن الحسن والحسين وقالوا بإمامة محمد بن الحنفية، وقالوا: إنه أولى بالخلافة بعد علي، وهو وصي علي بن أبي طالب، وليس لأحد من أهل بيته أن يخالفه أو يخرج بغير إذنه.
وقالوا: إن الحسن خرج لقتال معاوية بأمر محمد بن الحنفية، وإن الحسين خرج لقتال يزيد بإذن ابن الحنفية، بل وقالوا: بأن من خالف ابن الحنفية فهو مشرك كافر. وفرقة من هؤلاء الكيسانية قالوا: إن الإمامة لعلي ثم الحسن ثم الحسين ثم لابن الحنفية لأنه أولى الناس بالإمامة كما كان الحسين أولى بها بعد الحسن (2).
وقد اختلف في كيسان زعيم الكيسانية:
فقيل: إن كيسان رجل كان مولى لعلي بن أبي طالب. وقيل: بل كان تلميذاً لمحمد بن الحنفية (3).وقيل: بل هو المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب، وقد كان يلقب بكيسان (4). وهذا غير صحيح, لأن قيام الكيسانية كان قبل ظهور أمر المختار كما تقدم.

فرق معاصرة لغالب عواجي 1/ 328
_________
(1) ((مقالات القمي)) (ص26).
(2) ((مقالات القمي)) (ص23). وانظر لمزيد الأخبار: ((فرق الشيعة)) للنوبختي.
(3) ((الملل والنحل)) للشهرستاني (1/ 147).
(4) انظر: ((مقالات القمي)) (ص 21).


2- المختارية

     أ- كيف صارت الكيسانية مختارية؟

حينما تقرأ بعض كلام علماء الفرق تجد أن فيه مشكلة خفية وخلطاً في التسمية، إذ يجعل بعضهم الكيسانية هي نفسها فرقة المختارية التي تزعمها المختار ابن أبي عبيد كما فعل القمي وغيره (1).
وبعضهم يجعل الكيسانية فرقة مستقلة، تزعمها رجل يقال له كيسان كما فعل الشهرستاني وغيره.
والذي يتضح لي أن الكيسانية عندما نشأت كانت فرقة مستقلة، تزعمهم رجل يسمى كيسان الذي هو تلميذ لمحمد بن الحنفية أو مولى لعلي، وحينما جاء المختار بن أبي عبيد انضم إليه هؤلاء وكونوا بعد ذلك فرقة المختارية ...
ولقد كان لفرقة المختارية أحداث هامة في التاريخ بقيادة المختار. فمن هو المختار بن أبي عبيد الذي تلقفته الكيسانية للانقضاض به على قتلة الحسين ابن علي رضي الله عنه؟
Oفرق معاصرة لغالب عواجي 1/ 329
_________
(1) ((مقالات القمي)) (ص21).


     ب- مؤسس المختارية (المختار بن أبي عبيد الثقفي)
هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي، ولد في الطائف في السنة الأولى للهجرة، ووالده صحابي استشهد في معركة الجسر حينما كان قائداً لجيش المسلمين في فتح العراق، وقام بكفالة المختار عمه سعيد بن مسعود الثقفي الذي كان والياً على الكوفة لعلي رضي الله عنه. وقد نشأ المختار على جانب من الذكاء والفطنة مراوغاً ماكراً غير صادق في تشيعه، وإنما كان يريد من ورائه تحقيق طموحه السياسي بأي وجه، وله مواقف تشهد بصحة هذا القول عنه ذكرها أهل التاريخ والفرق (1).
وقد لقب بكيسان لأسباب هي: منهم من يقول: إنه نسبة إلى الغدر (2)، لأن كيسان في اللغة العربية اسم للغدر، وكان المختار كذلك. أنه أطلق عليه هذا اللقب باسم مدير شرطته المسمى بكيسان (3) والملقب بأبي عمرة الذي أفرط في قتل كل من شارك ولو بالإشارة في قتل الحسين، فكان يهدم البيت على من فيه، حتى قيل في المثل: (دخل أبو عمرة بيته) كناية عن الفقر والخراب. أنه أطلق على المختار هذا اللقب باسم كيسان الذي هو مولى علي بن أبي طالب (4).وذهب بعض الشيعة ومنهم النوبختي (5) إلى أن هذا اللقب أطلقه عليه محمد بن الحنفية على سبيل المدح، أي لكيسه، ولما عرف عنه من مذهبه في آل البيت؛ لأن الكيسانية زعموا أن محمد بن الحنفية هو الذي كلف المختار بالثورة في العراق لأخذ الثأر للحسين، وهذا ليس بصحيح كما سيأتي. وقد كان للمختار أدوار مع ابن الزبير، وخاض معارك في العراق خرج منها ظافراً فأعجبته نفسه، وأخذ يسجع كسجع الكهان، ويلمح لأناس ويصرح لآخرين أنه يوحى إليه، فانفض عنه كثير من أصحابه، وقُتل في حربه مع مصعب بن الزبير سنة 67هـ، وتفرق أتباعه (6)، وصدق عليه الحديث الذي روته أسماء بنت أبي بكر وغيرها أنه كذاب ثقيف (7).


فرق معاصرة لغالب عواجي 1/ 331
_________
(1) انظر ترجمته في البداية (8/ 289)، وانظر: ((الملل والنحل)) (1/ 147).
(2) ((القاموس المحيط)) (2/ 275).
(3) ((مقالات القمى)) (ص21)، ((فرق النوبختي)) (ص45).
(4) ((مقالات القمى)) (ص22)، ((فرق النوبختي)) (ص45).
(5) ((فرق الشيعة)) (ص48).
(6) ((تاريخ الطبري)) (6/ 65).
(7) ((سنن الترمذي)) (4/ 499).


      ج- التعريف بمحمد بن الحنفية واختلاف الشيعة بعده

أما ابن الحنفية الذي جعله المختار واجهة له ... فهو محمد بن علي بن أبي طالب، وأمه خولة، قيل: بنت جعفر، وقيل: بنت أياس الحنفية، وهي من سبي اليمامة في حروب الردة، صارت إلى علي. وقيل: إنها سندية وكانت أمة لبني حنيفة فنسبت إليهم.
ولد ابن الحنفية سنة 16هـ في عهد عمر بن الخطاب، ونشأ شجاعاً فاضلاً عالماً، دفع إليه أبوه الراية يوم الجمل وعمره 21سنة، وقد تنقل بعد وفاة والده فرجع إلى المدينة ثم انتقل إلى مكة ثم منى في عهد ابن الزبير ثم إلى الطائف، ثم قصد عبد الملك بن مروان بالشام وتوفي سنة 81هـ قيل بالطائف، وقيل بأيلة من فلسطين، وقيل لم يمت بل حبسه الله في جبل رضوى القريب من ينبع، وهذا من تحريف الشيعة.
وبعد وفاته اختلف الشيعة فيما بينهم:
فذهب بعضهم إلى أنه مات وسيرجع. وذهب آخرون إلى أنه لا زال حياً بجبل رضوى قرب المدينة عنده عينان نضاختان، إحداهما تفيض عسلاً، والأخرى تفيض ماءً، عن يمينه أسد يحرسه، وعن يساره نمرٌ يحرسه، والملائكة تراجعه الكلام، وأنه المهدي المنتظر، وأن الله حبسه هناك إلى أن يؤذن له في الخروج، فيخرج ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.
وفي هذه الخرافات يقول السيد الحميري أو كثيرعزة على رواية في قصيدة له:
ألا حي المقيم بشعب رضوى ... واهد له بمنزله السلاما
وقل ياابن الوصي فدتك نفسي ... أطلتَ بذلك الجبل المقاما
وما ذاق ابن خولة طعم موت ... ولا وارت له أرض عظاما
لقد أمسى بجانب شعب رضوى ... تراجعه الملائكة الكلاما
وإن له لرزقاً كل يوم ... وأشربه يعل بها الطعاما
أضر بمعشر وآلوك منا ... وسموك الخليفة والإماما
وعادوا فيك أهل الأرض طرا ... مقامك عنهم سبعين عاما
وقد اختلف الكيسانية في سبب حبس ابن الحنفية بجبل رضوى:
ذهب بعضهم - وأراد أن يقطع التساؤل- إلى القول بأن سبب حبسه سر الله، لا يعلمه أحد غيره، وهو تخلص من هذه الكذبة التي زعموها في حبسه.
وبعضهم قال: إنه عقاب من الله له بسبب خروجه بعد قتل الحسين إلى يزيد بن معاوية، وطلبه الأمان له، وأخذه عطاءه. بعضهم قال: إنه بسبب خروجه من مكة قاصداً عبد الملك بن مروان هارباً من ابن الزبير ولم يقاتله (1).
والحقيقة أنك لا تدري كيف تبلدت عقول هؤلاء إلى حد أن يعتقدوا هذا الاعتقاد الغريب في أن الله غضب على ابن الحنفية من مجرد زيارته لهؤلاء الحكام من المسلمين، والذين لهم يد مشكورة في انتشار رقعة الإسلام، فأوصل الله –بزعمهم- عقابه إلى هذا الحد من السنين الطويلة التي شكى منها الحميري سبعين عاماً، وقد بقي الكثير جداً والتي ستمتد إلى أن يغير هؤلاء الحمقى عقيدتهم هذه.
Oفرق معاصرة لغالب عواجي 1/ 332
_________
(1) أوردها القمي في "مقالاته" (ص21 - 32)، والنوبختي في "فرقه" (ص51) باختصار.


نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة