المبحث الأول: رأي الشيعة في نشأة التشيع

لم يكن لهم رأي موحد في هذا، ونستطيع أن نستخلص ثلاثة آراء في نشأة التشيع كلها جاءت في كتبهم المعتمدة، وسنتعقب كل رأي بالمناقشة والنقد.

الرأي الأول:

إن التشيع قديم ولد قبل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه ما من نبي إلا وقد عرض عليه الإيمان بولاية علي.. وقد وضع الشيعة أساطير كثيرة لإثبات هذا الشأن، ومن ذلك ما جاء في الكافي عن أبي الحسن قال: (ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولن يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد - صلى الله عليه وآله -، ووصية عليّ عليه السلام)  (1) .

وعن أبي جعفر في قوله الله عز وجل: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه: 115]. قال: (عهدنا إليه في محمد والأئمة من بعده فترك ولم يكن له عزم  (2) ، وإنما سمي أولو العزم أولي العزم لأنه عهد إليهم في محمد والأوصياء من بعده، والمهدي وسيرته، وأجمع عزمهم على أن ذلك كذلك والإقرار به) (3) .

وجاء في البحار: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - كما يزعمون -: يا علي، ما بعث الله نبياً إلا وقد دعاه إلى ولايتك طائعاً أو كارهاً  (4) . وفي رواية أخرى لهم عن أبي جعفر قال: إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيين بولاية علي (5) .

وعن أبي عبد الله قال: ولايتنا ولاية الله لم يبعث نبي قط إلا بها  (6) . وعقد لذلك شيخهم البحراني باباً بعنوان: باب أن الأنبياء بعثوا على ولاية الأئمة  (7) ، وقالوا: ثبت أن جميع أنبياء الله ورسله وجميع المؤمنين كانوا لعلي بن أبي طالب مجيبين، وثبت أن المخالفين لهم كانوا له ولجميع أهل محبته مبغضين.. فلا يدخل الجنة إلا من أحبه من الأولين والآخرين فهو إذن قسيم الجنة والنار  (8) .

وجاءت رواياتهم في هذا المعنى في كثير من كتبهم المعتمدة عندهم: في الكافي  (9) ، والوافي (10) ، والبحار (11) ، ومستدرك الوسائل (12) ، والخصال (13) ، وعلل الشرائع  (14) ، والفصول المهمة (15) ، وتفسير فرات (16) ، والصافي (17) ، والبرهان (18) ، وغيرها كثير. حتى قال الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة - أحد مصادرهم المعتمدة في الحديث - بأن رواياتهم التي تقول: بأن الله حين خلق الخلق أخذ الميثاق على الأنبياء تزيد على ألف حديث  (19) .

ولم تكتف مبالغات الشيعة بالقول بما سلف، بل قالت بأن: (الله عز اسمه عرض ولايتنا على السماوات والأرض والجبال والأمصار)  (20) . ولهذا قال شيخهم هادي الطهراني - أحد آياتهم ومراجعهم في هذا العصر -: (تدل بعض الروايات على أن كل نبي أمر بالدعوة إلى ولاية علي - رضي الله عنه -، بل عرضت الولاية على جميع الأشياء فما قبل صلح، وما لم يقبل فسد)  (21) .

نقد هذا الرأي:

هناك من الآراء والمعتقدات ما يكفي في بيان فسادها مجرد عرضها، وهذا الرأي من هذا الصنف، إذ إن فساده وبطلانه من الأمور المعلومة بالضرورة.. وكتاب الله بين أيدينا ليس فيه شيء من هذه المزاعم.

لقد كانت دعوة الرسل - عليهم السلام - إلى التوحيد لا إلى ولاية علي والأئمة - كما يفترون -.

قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَاْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل: 36]. فكل رسل الله وأنبيائه كانوا يدعون قومهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له.

فقد قال نوح، وهود، وصالح، وشعيب - عليهم السلام - لقومهم: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 59، 65، 73، 85].

وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ...)).

وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: ((إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل...)).

فلم يرد في السنة الصحيحة إلا ما ينقض هذا الرأي. كما أن (أئمة السلف متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد الشهادتان)  (22) .

فأين ما يزعمون من أمر ولاية عليّ؟

وإذا كانت ولاية عليّ مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، فلماذا ينفرد بنقلها الروافض، ولا يعلم بها أحد غيرهم؟ ولماذا لم يعلم بذلك أصحاب الديانات؟ بل لماذا لم تسجل هذه الولاية في القرآن وهو المهيمن على الكتب كلها، والمحفوظ من لدن رب العزة جل علاه؟!.

إن هي إلا دعوى بلا برهان، والدعاوى لا يعجز عن التنطع بها أحد إذا لم يكن له من دينه أو عقله أو حيائه ما يحميه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهذه كتب الأنبياء التي أخرج الناس ما فيها من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ليس في شيء منها ذكر عليّ.. وهؤلاء الذين أسلموا من أهل الكتاب لم يذكر أحد منهم أنه ذكر عليّ عندهم، فكيف يجوز أن يقال: إن كلاً من الأنبياء بعثوا بالإقرار بولاية علي، ولم يذكروا ذلك لأممهم، ولا نقله أحد منهم؟!)  (23) .

وكيف تتطاول هذه الأساطير على الأنبياء فتزعم أن آدم - عليه السلام - وبقية الأنبياء - ما عدا أولي العزم - قد تركوا أمر الله في الولاية؟!، إن هذا إلا بهتان عظيم، فالولاية باطلة والافتراء على الأنبياء باطل.

ومن المفارقات العجيبة: ذلك الغلو الذي لا يقف عند حد في مسألة عصمة الأئمة.. وهذا الجفاء في حق صفوة الخلق وهم الأنبياء، أليس ذلك دليلاً على أن واضعي هذه الأساطير هم قوم قد فرغت عقولهم ونفوسهم من العلم والإيمان، وشحنت بالحقد والتآمر على المصلحين والأخيار، وأرادوا الدخول على الناس لإفساد أمرهم من طريق التشيع؟، بلى: إنه لا يتجرأ على مثل هذه الافتراءات إلا زنديق، وكأنهم بهذه المقالة يجعلون أتباع الأئمة أفضل من أنبياء الله - ما عدا أولي العزم - لأن الأتباع اتبعوا، والأنبياء تركوا، إن هذا لهو الضلال المبين..

لقد أخذ الله الميثاق على الأنبياء - عليهم السلام - لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه، هكذا قال ابن عباس  (24) . وغيره. قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: 81].

فكأن هؤلاء أرادوا - كعادتهم - أن يجعلوا ما للنبي صلى الله عليه وسلم هو من حق عليّ، ثم إن الإيمان بتفصيل ما بعث به محمد لم يؤخذ عليهم، فكيف يؤخذ عليهم موالاة واحد من الصحابة دون غيره من المؤمنين؟!.

وقد أجمع المسلمون على أن الرجل لو آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وأطاعه، ومات في حياته قبل أن يعلم أن الله خلق أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً لم يضره ذلك شيئاً، ولم يمنعه من دخول الجنة. فإذا كان هذا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فكيف يقال: إن الأنبياء يجب عليهم الإيمان بواحد من الصحابة  (25) ؟!.

وأين عقول هؤلاء القوم الذين يصدقون بهذه الترهات! كيف يؤخذ على من قبلنا من الأنبياء وأممهم الميثاق على طاعة علي في إمامته (هذا - كما يقول شيخ الإسلام - كلام المجانين، فإن أولئك ماتوا قبل أن يخلق الله علياً فكيف يكون أميراً عليهم؟!، وغاية ما يمكن أن يكون أميراً على أهل زمانه، أما الإمارة على من خلق قبله، وعلى من يخلق بعده، فهذا من كذب من لا يعقل ما يقول، ولا يستحي مما يقول.. وهذا من جنس قول ابن عربي الطائي وأمثاله من ملاحدة المتصوفة الذين يقولون: إن الأنبياء كانوا يستفيدون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء والذي وجد بعد محمد بنحو ستمائة سنة، فدعوى هؤلاء في الإمامة من جنس دعوى هؤلاء في الولاية، وكلاهما يبني أمره على الكذب والغلو والشرك والدعاوى الباطلة، ومناقضة الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة)  (26) .

فما الغاية والهدف من هذه المقالة التي لا يخفى كذبها على أحد؟

هل الغاية صد الناس عن دين الله؟!

لأن هذا معلوم بطلانه بداهة، فإذا رفعوا هذه الدعوى ونسبوها للإسلام، واطلع عليها أصحاب تلك الديانات وغيرهم، ورأوا بطلانها في العقل والنقل شكوا في الإسلام نفسه!! ثم ماذا يقول أهل العلم والعقل عن هذا التحليل الغريب لفساد الأشياء أو صلاحها من الجمادات والنباتات والمياه ... إلخ، وأن هذا بسبب موقفها من ولاية علي. ماذا يقول العالم عن هذا..؟! هل هذا هو الدين الذي يريدون أن يقدموه للناس؟! أو أن الهدف تشويه الإسلام والصد عنه!!

ولا يستغرب هذا الرأي من الشيعة، فهم أهل مبالغات غريبة، يكذبون بالحقائق الواضحات، والأخبار المتواترات، ويصدقون بما يشهد العقل والنقل بكذبه ... وإذا كانوا يقولون بهذا الرأي فيمن يدعون إمامته، فإنهم أيضاً يقولون في أعداء الأئمة وأعداء الشيعة - في اعتقادهم - ما يقارب هذا الرأي فقد قالوا في الخليفتين الراشدين العظيمين: أبي بكر وعمر، قالوا - مثلاً -: (وقع في الخبر أن القائم - رضي الله عنه - إذا ظهر يحييهم ويلزمهم بكل ذنب وفساد وقع في الدنيا، حتى قَتْل قابيل وهابيل، ورَمْي إخوة يوسف له في الجب، ورمي إبراهيم في النار وسايرها)، وكذا روي عن الصادق: (أنه ما أزيل حجر من موضعه، ولا أريقت محجمة دم إلا وهو في أعناقهما - يعني الخليفة الأول والثاني-  (27) .

الرأي الثاني (من آراء الشيعة):

ويزعم بعض الروافض في القديم والحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي وضع بذرة التشيع، وأن الشيعة ظهرت في عصره، وأن هناك بعض الصحابة الذين يتشيعون لعليّ، ويوالونه في زمنه صلى الله عليه وسلم.

يقول القمي: فأول الفرق الشيعة، وهي فرقة علي بن أبي طالب المسمون شيعة علي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود الكندي، وسلمان الفارسي، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، وعمار بن ياسر المذحجي.. وهم أول من سمو باسم التشيع من هذه الأمة  (28) . ويشاركه في هذا الرأي النوبختي (29) ، والرازي (30) .

ويقول محمد حسين آل كاشف الغطا (المتوفى سنة 1373هـ‍) : إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام هو نفس صاحب الشريعة -؛ يعني أن بذرة التشيع وضعت في بذرة الإسلام  (31) . جنباً إلى جنب، وسواء بسواء، ولم يزل غارسها يتعاهدها بالسقي والري حتى نمت وازدهرت في حياته، ثم أثمرت بعد وفاته (32) . وقال بهذا الرأي طائفة من الشيعة المعاصرين  (33) .

مناقشة هذا الرأي:

أولاً: يلاحظ أن أول من قال بهذا الرأي القمي في كتابه (المقالات والفرق) والنوبختي في كتابه (فرق الشيعة). وقد يكون من أهم الأسباب لنشوء هذا الرأي هو أن بعض علماء المسلمين أرجع التشيع في نشأته وجذوره إلى أصول أجنبية، وذلك لوجود ظواهر واضحة تثبت ذلك - ... - فبسبب ذلك قام الشيعة بمحاولة إعطاء التشيع صفة الشرعية، والرد على دعوى خصومهم برد التشيع إلى أصل أجنبي، فادعوا هذه الدعوى، وحاولوا تأييدها وإثباتها بكل وسيلة؛ فوضعوا روايات كثيرة في ذلك  (34) ، ونسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزعموا أنها رويت من طرق أهل السنة، وهي روايات (لا يعرفها جهابذة السنة ولا نقلة الشريعة، بل أكثرها موضوع أو مطعون في طريقه، أو بعيد عن تأويلاتهم الفاسدة) (35) .

ثانياً: إن هذا الرأي لا أصل له في الكتاب والسنة، وليس له سند تاريخي ثابت، بل هو رأي يجافي أصول الإسلام وينافي الحقائق الثابتة، فقد جاء الإسلام لجمع هذه الأمة على كلمة سواء، لا ليفرقها شيعاً وأحزاباً، ولم يكن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيعة ولا سنة، والله سبحانه وتعالى يقول: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران: 19]. لا التشيع ولا غيره، وهم يعترفون في قولهم: (إن بذرة التشيع وضعت مع بذرة الإسلام جنباً إلى جنب ...) إن التشيع غير الإسلام. والله يقول: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران: 85].

ومن الحقائق التاريخية المتواترة والتي تكشف خطأ هذا الرأي ومجانبته للحقيقة أنه لم يكن للشيعة وجود زمن أبي بكر وعمر وعثمان  (36) . وقد اضطر بعض شيوخ الشيعة للإذعان لهذه الحقيقة وهم الذين مردوا على إنكار الحقائق المتواترات. يقول آيتهم ومجتهدهم الأكبر في زمنه محمد حسين آل كاشف الغطاء: (... ولم يكن للشيعة والتشيع يومئذ (في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما) مجال للظهور؛ لأن الإسلام كان يجري على مناهجه القويمة...)  (37) . وبمثل هذا اعتراف شيخهم الآخر محمد حسين العاملي، فقال: (إن لفظ الشيعة قد أهمل بعد أن تمت الخلافة لأبي بكر، وصار المسلمون فرقة واحدة إلى أواخر أيام الخليفة الثالث) (38) .

ونحن نقول: إنه أهمل لأنه لم يوجد أصلاً، إذ كيف يهمل، ولا يظهر، والحكومة كافرة في نظركم، كما هو متواتر في كتبكم ... وهل كان المسلمون شيعاً في عهد الرسول ... وفرقة واحدة في عهد الخلفاء الثلاثة؟!

ثالثاً: زعموا أن الشيعة كانت تتألف من عمار، وأبي ذر، والمقداد، فهل قال هؤلاء بعقيدة من عقائد الشيعة من دعوة النص، وتكفير الشيخين: أبي بكر وعمر وأكثر الصحابة، أو أظهروا البراءة والسب لهم أو كراهيتهم..؟ كلا، لم يوجد شيء من ذلك.. وكل ما قاله الشيعة من دعاوى في هذا وملأوا به المجلدات لا يعدو أن يكون وهماً من الأوهام نسجته خيالات الحاقدين والأعداء  (39) .

قال ابن المرتضى (وهو شيعي زيدي): (فإن زعموا أن عماراً، وأبا ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي كانوا سلفهم؛ لقولهم بإمامة علي - عليه السلام - أكذبهم كون هؤلاء لم يظهروا البراءة من الشيخين ولا السب لهم، ألا ترى أن عماراً كان عاملاً لعمر بن الخطاب في الكوفة  (40) ، وسلمان الفارسي في المدائن) (41) . (42) . وهذه الحقائق التاريخية الثابتة تنسف كل ما شيده الشيعة من دعاوى في هذا عبر القرون.

رابعاً: يرى الشيخ موسى جار الله أن هذه المقالة من الشيعة مغالطة فاحشة خرجت من حدود كل أدب، وأنها افتراء على النبي صلى الله عليه وسلم ولعب بالكلمات، ويتعجب من قولهم: (إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام هو نفس صاحب الشريعة)، فيقول: (أي حبة بَذَرَ النبي حتى أنبتت سنابل اللعن والتكفير للصحابة وخير الأمة، وسنابل الاعتقاد بأن القرآن محرف بأيدي منافقي الصحابة، وأن وفاق الأمة ضلال، وأن الرشاد في خلافها، حتى توارت العقيدة الحقة في لجّ من ضلال الشيعة جم)  (43) .

الرأي الثالث:

يجعل تاريخ ظهور الشيعة يوم الجمل. قال ابن النديم  (44) : إن علياً قصد طلحة والزبير ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر الله جل اسمه، فسمى من اتبعه على ذلك الشيعة، فكان يقول: شيعتي، وسماهم - عليه السلام - الأصفياء الأولياء، شرطة الخميس، الأصحاب  (45) .

هذا رأي انفرد به ابن النديم - حسب علمي - وهو فيما يبدو ويشير إلى تاريخ ظهور الشيعة بمعنى الأنصار والأتباع، وتاريخ إطلاق لقب الشيعة على أنصار علي - رضي الله عنه - وأن علياً - عليه السلام - هو الذي لقبهم بذلك حيث يقول: (شيعتي).

ولاشك أن هذا القول لا يدل على بداية الأصول الفكرية للتشيع، فهو يعني هنا المعنى اللغوي للشيعة وهو الأنصار، ولهذا استخدم أيضاً ألقاباً أخرى تدل على ذلك كالأصحاب والأولياء، كما أن الوثائق التاريخية - كما سلف - أثبتت أن لقب (شيعتي) والشيعة كما استعمله علي - رضي الله عنه - قد استعمله معاوية - رضي الله عنه -.

ويصف د. مصطفى كامل الشيبي - شيعي معاصر - رأي ابن النديم هذا بالغربة، حيث جعل التشيع لقباً أطلقه عليّ بنفسه على أصحابه  (46) . وما أدري ما وجه الغرابة، في أن يدعو علي أنصاره بقوله: (شيعتي).

أما د. النشار فيرى في كلام ابن النديم بعض الغلو  (47) . ولا يذكر النشار وجه الغلو الذي يصف به كلام ابن النديم.  (48)


نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة