سروش، في جولة دفاعٍ عن "الحيدري".
بعد الوقائع الأخيرة، وما حدث من ردود الفعل إزاء كلام الحيدريّ حول مسألة التكفير عند فقهاء الإمامية، خرج الدكتور عبد الكريم سروش بهذا المقطع ليتحدث حول هذه القضية وتبعاتها، وقد تضمّن كلامُه ما يستدعي الوقوف عنده ولفت النظر إليه، وأذكر بعض ذلك في نقطتين أساسيّتين:
النقطة الأولى: تقرير سروش لمقولات الحيدري، فقد قرّر الدكتور سروش جملةً من آراء الحيدري التي لا زال بعض مريديه ينفيها عنه، ويتّهم من ينسبها إليه بالكذب وبتر المقاطع المرئية والتدليس أو يتهمه بسوء الفهم على أحسن تقدير، وها هو الدكتور سروش يقرر مطالب الحيدري كما قررناها، وقد أفاد أنه صدرت عنه تلك المقولات من قبيل أن أكثر التراث الشيعي أكاذيب مجعولة وإسرائيليات مفتراة صنعها كعب الأحبار وغيره - كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً -، ثم أردف ذلك بتقريره لقول الحيدري في جواز التعبد بسائر الأديان والمذاهب، وبذلك أسفر الصبحُ لذي عينين، وليس وراء عبّادان قرية!
النقطة الثانية: تناقض سروش وعدم قدرته على الالتزام بلوازم مقولاته، فقد أنكر على جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية وغيرهم هجومهم على الحيدري وتضليله، وتساءل عمّن منحهم حق تضليل الآخرين وكأنهم هم معيار الحقيقة، والحال أنّ ما قام به جمع من أهل العلم ينسجم مع المذهب الذي يتخذونه والمسلك الذي يعتقدون به تبعاً للدليل، وجناب الدكتور سروش قد أقرّ قبل ذلك بأقل من دقيقتين أنّ من يتعبد بدينٍ ولو كان غير الإسلام أو مذهب ولو كان غير التشيع فهو يوم القيامة مأجور مثاب يُحشر مع أهل النجاة، فإذا كان الله - بحسب قوله - يرتضي طريقة الوهابية والبوذية والمسيحية، فمن باب أولى سيرتضي طريقة جماعة المدرسين وسوف يثيبهم على أعمالهم؛ فإنهم قاموا بها عن اعتقاد جازم وبرهان لازم، وتضليل المنحرف عن جادة الصواب من بديهيات مذهبهم، فما وجه الإنكار عليهم وهم مأجورون مثابون يوم القيامة؟!
بناءً على ذلك: على أصحاب هذا المسلك أن يتراجعوا عن مقولتهم الفاسدة في جواز التعبد بسائر الأديان والمذاهب، أو يلتزموا بلوازمها، ويقبلوا بطريقة تديّن هذه الجماعة كما قبلوا تدين الآخرين بأديان شتى ومنحوهم صكوك الغفران والثواب يوم القيامة، فعليهم أن لا يفرضوا شروطاً لم يفرضها الله في مسألة (جواز التعبد بالأديان والمذاهب)..
ويقال لجناب الدكتور: كاسه داغ تر از آش نباشد!
وهناك نقاط أخرى أشير إليها بإيجاز:
• قوله إن الحيدري تكلم بكلام يخفيه العلماء بحسب ما تقتضيه المصلحة العامة. ولا أدري هل هذا الكلام يليق بمن يرى نفسه منظّراً للتنوير، ونحن في عام 2020 مع ما في هذا الزمن من سهولة الاطّلاع على كل شيء داخل أروقة البحث العلمي، فلا نعلم ما الذي يشكل ضرراً بالمصلحة العامة ويخفيه العلماء، ولا يكاد يوجد بحث إلا وقد نُبشت تفاصيله أمام مرأى أهل البحث والتحقيق!
• توصيفه لشخص الشيخ محسن الأراكي أنّه أعطى لنفسه لقب ”آية الله“ في حين أنّه عندما تحدث عن الحيدري قدّمه بعنوان ”على مستوى المرجعية“ و ”مجتهد شجاع“ مع أنّ بلوغه مرتبة الاجتهاد غير مسلّم في الأوساط العلمية عند من يعتدّ بشهادته، فهذا النفي والإثبات على أي أساس يستند؟! بل يبدو أن المسألة عنده ذوقيّة لا ضابطة لها سوى الهوى.
• ذكر الدكتور سروش أن المسائل لا تُعالج بهذه الطريقة، وإنما عبر الحوار العلمي، وكان جديراً به أن يوجّه كلامه إلى الحيدري الذي دُعي مراراً إلى طاولة البحث العلمي ولم تبدر منه أدنى استجابة، فهل هذه على طريقة: الهجوم خير وسيلة للدفاع؟! وأن تبادر لاتهام الطرف الآخر كيفما كان؟!
• في كلامه وجّه نصيحةً لأهل العلم في الحوزة أن لا يجعلوا من أنفسهم معياراً للدين، وهنا ينبغي طرح سؤال ضروري جداً: هل توجد معايير في الدين الإسلامي يتم من خلالها التفريق بين الهداية والضلال؟! إن كان هناك معيار فليتفضّل به، وإن لم يكن هناك معيار للهدى والضلال في الدين فما قيمة هذا الدين؟ وما فائدة البحث العلمي؟ وما ثمرة التصويب والتخطئة؟ هذه أسئلة جادة ينبغي لمنظّري ”التنوير“ الإجابة عليها بدلاً من هذه الخطابات الإنشائية.
وبقيّة الهذيان من سقط المتاع، فلا يُلتفت إليه..
إضافة تعليق جديد