6 معارضين من علماء الشيعة لولاية الفقيه، لماذا رفضوها؟
6 معارضين من
علماء الشيعة لولاية الفقيه، لماذا رفضوها؟
الكاتب: خالد بشير
منذ أن أعلن الخميني بعد الثورة
الإسلامية عن تطبيقها في إيران، أثارت "ولاية الفقيه"، ولا تزال، الكثير
من الجدل وردود الفعل المتفاوتة ما بين القبول أو الرفض. ولم يقتصر هذا الجدل على
أوساط خارج المرجعية الشيعية؛ بل اشتعل الحديث عنها داخل الأوساط العلمية الشيعية.
وفي هذا التقرير ترصد
"حفريات" أبرز ستة علماء شيعة تحدثوا عن "ولاية الفقيه" وما
دار من جدل حولها.
النشأة والتطبيق
"ولاية
الفقيه" تعني ببساطة أن يتولى الفقيه - الذي يكون قد وصل إلى درجة علمية
معينة - شؤون غيره من المؤمنين. في بداية ظهور هذا المفهوم كانت ولاية الفقيه
مقيّدة بالشؤون الفقهية؛ أيّ إنّ الفقيه كان يحق له أن ينوب عن غيره من المكلّفين
في مسائل تتعلق بالأحكام الفقهية، كما عَنَت في مرحلة لاحقة أنّ فتوى الفقيه تكون
لها الحجّة ويكون حكمه الفضائي نافذاً، ولكن تطوّرات لاحقة طرأت عليها ووسعّت من
حدودها، ليتطور في العصور المتأخرة ما بات يعرف بـ "ولاية الفقيه
المطلقة" والتي تعني أن يتولى الفقيه شؤون عامة الناس في عامة أمورهم سواء
الفقهية منها أو الدنيوية والحياتية، لتكتسب بذلك طابعاً سياسياً شمولياً.
وكان العالم الشيعي الدمشقي، محمد بن
مكي العاملي، الشهير بلقب "الشهيد الأول"، هو أول من بدأ بتوسيع حدود ولاية
الفقيه في القرن الرابع عشر الميلادي وطوّر ما عرف بـ "نظرية النيابة
العامّة". ثم جاء الإسهام الأبرز على يد أبو الحسن الكركي العاملي، المعروف
بـ "المحقّق الثاني"، والذي نقل نظرية النيابة العامة إلى مرحلة سياسية
متقدمة بإعطائه الشاه "طهماسب بن إسماعيل الصفوي" وكالة للحكم باسم
"نائب الإمام: الفقيه العادل". وفي القرن التاسع عشر طوّر عليها الشيخ
أحمد النراقي، وهكذا استمرت في التطوّر إلى أن جاء الخميني وطبقها لأول مرة عام
1979 ونشر مبادئها في كتابه "الحكومة الإسلامية".
المنتظري.. لماذا فرض عليه الخميني
الإقامة الجبرية بعد أن كان نائبه؟
كان حسين علي المنتظري من أوائل
المنظّرين لـ "ولاية الفقيه"، وقد انخرط في صفوف الثورة الإيرانية،
وبسبب قربه من الخميني اختاره بعد الثورة لشغل منصب "نائب القيادة
العليا"، وبحيث يكون هو خليفة الخميني.
لكن ولاية الفقيه من منظور المنتظري
لم تكن متوافقة مع الشكل الذي أقرّه لها الخميني، فكان مؤمناً بـ "ولاية فقيه
انتخابية"، فكان يدعو إلى تحديد فترة رئاسة المرشد الأعلى، أما إبقاء الرئاسة
في شخص مدى حياته فإنه لكن يكون ضامناً لاستقرار وتطوّر المجتمع.
إضافة إلى ذلك، لم يكن المنتظري
مؤمناً بإطلاق ولاية الفقيه بحيث تشمل كافّة شؤون الناس، وإنما كان يذهب إلى حصرها
في المسائل الدينية، فتكون للفقيه الولاية في الإفتاء والقضاء حصراً. وبذلك كان
المنتظري من معارضي إقامة الحكم الديني في إيران.
وفي محاججته على نفي ولاية الفقيه
المطلقة أشار المنتظري إلى أنّ نفيها لا يحتاج إلى دليل، بل إنّ إثباتها هو ما يستدعي
الدليل القاطع. واعتبر بأنّ نظرية "النيابة العامة" عن الإمام المهدي
إنما هي نظرية ظنية استنبطها بعض الفقهاء في القرن الرابع الهجري بعد غيبته في وقت
لاحق وطوروها عبر التاريخ.
خلال الثمانينات فشل حكم الخميني في
تحقيق ما كان يصبو إليه الشعب الإيراني من تطلع للحريات، واستمر اضطهاد المعارضة،
وخلال تلك الفترة واصل المنتظري معارضته لسياسة الخميني، وفي عام 1989، في الذكرى
العاشرة للثورة الإسلامية، قام بكتابة وإلقاء سلسلة من الكتابات والخطب الناقدة،
فكان من الخميني أن قابل ذلك بقرار عزله عن منصبه، وفرضت عليه الإقامة الجبرية في
منزله، وتم تعيين علي خامنئي خليفة للخميني بدلاً منه.
شريعتمداري.. كيف شخّص ولاية
الخميني؟
كان السيد محمد كاظم شريعتمداري من
أهم رجال الدين المعارضين للشاه. وكان في مقدمة المنخرطين في احتجاجات الثورة
الإيرانية منذ بدايتها في العام 1977. وبعد انتصار الثورة اختير ليكون أحد أعضاء
المجلس الثوري.
ولكن العلاقة الودية مع الخميني لم
تستمر أكثر من أشهر؛ فبعد صدور الدستور الإيراني الجديد للجمهورية في كانون الأول
(ديسمبر) 1979، وما تضمنه من منح صلاحيات مطلقة للخميني فاقت ما كان يتمتع به
الشاه من صلاحيات، كان شريعتمداري في طليعة المعترضين عليه، وفي هذا الإطار جاءت
معارضته لمنح الفقيه صلاحيات مطلقة، ورأى أنّ رجل الدين يجب أن تظلّ صلاحياته
محدودة، وأن لا تمتد إلى حكم وإدارة جميع شؤون البلاد. وهكذا، رأى شريعتمداري أنّ
الخميني سيصبح الشاه الجديد لكن بصبغة دينية.
وبعد إقرار الدستور الجديد خرجت مظاهرات
في عدد من المدن الإيرانية، كان أبرزها المظاهرات التي خرجت في مدينة تبريز، عاصمة
"أذربيجان الإيرانية". وكان القائد للمظاهرات هناك الحزب الإسلامي
الشعبي الجمهوري، وكان شريعتمداري مقرباً من قيادات الحزب، وهو حزب الأكثرية في
أذربيجان، بلغ تعداد أعضائه آنذاك قرابة المليون ونصف المليون عضو.
شارك شريعتمداري في مظاهرات تبريز
وظهر في الصفوف الأولى القائدة لها، ما أدى إلى تفاقم الخلاف بينه وبين الخميني.
وفي عام 1982، تلقى شريعتمداري اتهامات بالتآمر للإطاحة بنظام الحكم والتخطيط
لاغتيال الخميني، وعلى إثر ذلك تم تجريده من درجة "آية الله" العلمية،
ووُضع تحت الإقامة الجبرية، وأُجبِر هو وعائلته على الظهور في التلفزيون الرسمي
للاعتراف بالتهمة. وبقي منبوذاً حتى وفاته عام 1986.
الخوئي.. كيف رأى المرجع الأعلى
للشيعة "ولاية الفقيه"؟
كان أبو القاسم الخوئي، وهو رئيس
حوزة النجف والمرجع الأعلى السابق للشيعة الإثنى عشرية، من أشهر من اعترض على
نظرية ولاية الفقيه كما جاء بها وطبقها الخميني بعد الثورة. وفي كتابه
"الاجتهاد والتقليد"، اعتبر الخوئي أنّ ما استدل به الخميني على الولاية
المطلقة للفقيه غير قابل للاعتماد عليه، وبأنّ فتواه "قاصرة السند
والدلالة".
وأكد الخوئي في هذا الكتاب بأنّ
القدر المتيقن بالنسبة للفقيه في زمن "الغيبة الكبرى"، ينحصر في أمرين:
نفوذ قضائه، وحجيّة فتواه؛ أيّ إنّ الخوئي كان على رأس القائلين بتقييد ولاية
الفقيه وحصرها في الشأن الديني، أما الولاية ذات المضمون السياسي فاعتبر الخوئي
بأنّها مختصة بالنبي والأئمة ولم تثبت للفقيه في "عصر الغيبة".
علي الأمين.. ما معنى أن تتحول ولاية
الفقيه إلى نظام سياسي؟
أما علي الأمين، الفقيه اللبناني،
فكان خلافه الأساسي مع ولاية الفقيه (كما جاء بها وطبقها الخميني)، يتعلق برفضه أن
تكون ولاية عابرة للحدود والأوطان، وقد بسط رأيه في كتابه "ولاية الدولة أو
ولاية الفقيه؟".
يرى الأمين في هذا الكتاب بأنّ ولاية
الفقيه هي ولاية تُلزِم من آمن بها في موطنها؛ وذلك أنّ ولاية الفقيه وفقاً للصيغة
التي تبنّاها الخميني بعد الثورة تحولت إلى نظام سياسي ولم تعد مجرد ولاية فقهية
ودينية، ومن هنا فإنه يجري عليها ما يجري على سائر النظم السياسية؛ فأي نظام سياسي
في العالم له ولاية داخل حدوده فحسب، وبالتالي فإنه لا يكون للمرشد الأعلى في
إيران ولاية على الشيعة في لبنان مثلاً؛ فهم خارج حدود إيران وليس لهم حق التصويت
والانتخاب فيها، ولا يمكن لهم الخضوع لحكم شخص منتخب في نظام سياسي آخر.
وبذلك كان الأمين معارضاً صريحاً
للمشروع التوسعي الإيراني، ورافضاً لسيطرة إيران على الشيعة خارج إيران. كما رأى
الأمين بأنّ الهدف من محاولة إعطاء ولاية الفقيه بعداً دينياً هو قمع الآخر؛ فإنك
إن خالفته في السياسة فإنه يعتبر ذلك مخالفة لأساسات الدين.
هاني فحص: ولاية الفقيه ليست من
الأصول العَقَديّة
أما العلامة اللبناني هاني فحص، فكان
يرى بأنّ ولاية الفقيه هي مسألة فقهية في النهاية، وليست أصلاً من الأصول
العقديّة، ومعنى ذلك أنّ الذي لا يقول بها ليس كافراً ولا فاسقاً. وكان فحص يعلن
بأنه منتمٍ إلى "المدرسة الفقهية الأكبر في تاريخ الفقه الإسلامي الشيعي، والتي
لا تقول بولاية الفقيه العامّة ولا تدعو إلى الدولة الدينية".
واعتبر فحص بأنّ ولاية الفقيه في
إيران هي صيغة تكليف فقهي إيراني مرتبطة بطبيعة الدولة الإيرانية والنظام السياسي
فيها، مع التأكيد على أنه لا ينبغي تعميم الخصوصية الإيرانية على غيرها من الدول. وبذلك
كان الشيخ من أبرز المعارضين لمحاولات ومشاريع "تفريس" الشيعة في
العالم؛ أي جعلهم تبعاً للدولة الإيرانية بقيادة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية.
محمد جواد مغنية.. ما هي حجّته في
تفنيد الولاية المطلقة للفقيه؟
كان محمد جواد مغنية من الأسماء
البارزة في هذا الخصوص، وهو الذي كان قد شغل منصب رئيس المحكمة الجعفرية العليا في
لبنان. وفي كتابه "الخميني والدولة الإسلامية"، يفنّد مغنية رأي الخميني
ويرفض فكرة الولاية المطلقة.
وحاجج مغنية بأنّ السلطة الروحية
والزمنية في حالة وجود "المعصوم" تنحصر به وحده، ورفض فكرة انتقال هذه
الولاية إلى فقهاء غير معصومين في زمن غيبة الأئمة؛ فالولاية المطلقة خاصّة بالأنبياء والأئمة حصراً، ولا يمكن أن
يحوزها فقيه مهما بلغ من درجات العلم؛ لأنها تستلزم أن يكون صاحبها معصوماً عن
الخطأ والزلل.
وهكذا، فإنه وإن كانت ولاية الفقيه
والاعتقاد بها باتت اليوم علامة ومعتقداً مرتبطاً بالتصوّر السائد عن المذهب
الشيعي الإثنى عشري، إلا أنّه عند البحث يظهر كيف أنّها لا تحظى بذلك القبول
والانتشار، وخاصّة في الأوساط العلمية. ولعل تعميمها جاء من طريق أخرى، تتعلق
بمشاريع السياسة والحكم لا العلم والدين.
إضافة تعليق جديد