يدّعون التشيّع.. وهم أشد لعنة من الدجال!
مركز القطرة بإشراف ياسر الحبيب
من جملة المعضلات الكبرى في عالم التشيّع اليوم؛ معضلة تمييز الموقف الديني الصحيح من خلافه، وهي معضلة نتجت بالأساس من أزمة اختلال المفاهيم والمرتكزات الإسلامية الشيعية في الذهنية العامة، ولئن كان صحيحا أن "معضلة تمييز الموقف الديني السليم من القضايا المطروحة" تعود أيضا إلى تدني درجة الوعي بين الناس؛ فإن ما هو أكثر صحة أن هذه المعضلة خلقتها عناصر محسوبة على التشيّع، ولكنها ليست عناصر هامشية في الوسط الشيعي، بل هي عناصر تتبوأ مراكز قيادية عليا في الهرمية الشيعية، ولأنها كذلك؛ أي لأنها طرحت نفسها في مستوى القيادة، فإن كثيرا من قومنا سلّموا أنفسهم طواعية لهذه "القيادات" باعتبار أنهم مأمورون باتباع الرمز الديني كتكليف شرعي.
وحتى يكون مرمانا أكثر وضوحا، نضرب مثالا فنقول أنه قد عُرِف عن الخدّام دعوتهم إلى عدم مداهنة المخالفين لأهل البيت عليهم السلام، أو حتى ملاينتهم في ما يندرج تحت عنوان الثوابت العقائدية، وقد حذّرنا مرارا وتكرارا من أن الوقوع في هذا الخطأ الكبير والذنب الجسيم سيؤدي إلى انمحاق تدريجي لهذه الثوابت، وعندها لن يبقى من التشيّع سوى الهيكل الفارغ الذي لا محتوى له. وفي السياق نفسه؛ أكّدنا غير مرة أن هذه ليست دعوة لمقاطعة أهل الخلاف، فنحن نؤمن بمحاورتهم بل والتعاون معهم في مجالات شتى تعود بالنفع على الأمة أجمع، ولكن هذا لا يعني مثلا أن نتوقف عن طرح مظلومية الزهراء (صلوات الله عليها) أو التصريح بما ارتكبه القتلة المجرمون ضد أهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام، لأن مجرد هذا التوقف سيوجب هدما لركن أركان دين الله عز وجل، ولا يكفي عذرا القول بأن ذلك كان من ضرورات الوحدة ومسايرة القوم، فإن هذا ليس عذرا شرعيا يمكن به أن ننال عفو أئمتنا (عليهم السلام) يوم الحساب، وهم الذين ينظرون كيف سنؤدي ما علينا من واجب الانتقام لهم ممن ظلمهم وسفك دماءهم وأزهق أرواحهم.
هذا ما دعونا له ومازلنا، ولكن وعلى النقيض منه، راجت في الأجواء دعوات أُخَر، زعمت أن التخلي عن هذا الطرح أولى وأجدى، وأن المهم هو الحفاظ على ما ظنّوه تماسك الأمة. ولسنا في وارد تبيان تفاهة هذا الظن وتوهين هذا الزعم، فإن ذلك كان مما أشبعناه نقضا وإبراما في استهلالات سابقة، ولكن المهم الآن أن نضع أنفسنا موضع الفرد الشيعي العادي البسيط. إنه يتلقّى هذه التوجيهات المتباينة منا ومن غيرنا من سائر الاتجاهات الشيعية المطروحة على الساحة اليوم، وكلٌ منها بطبيعة الحال يستند إلى شرعية ورمزية قيادية دينية، فإلى أي جانب يقف الفرد الشيعي، أإلى جانب الخدّام أم إلى جانب غيرهم؟! وهل يعمل بالوظيفة الشرعية التي وجّهها إليه الخدام، فيتخذ من نفسه جنديا للدفاع عن مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) أم يعمل بوظيفة أخرى يزيّنها له الآخرون فيصمت عن كشف هذه المظلومية ويمتنع عن طرحها لئلا يستفز الآخرين كما يدّعون؟!
إن هذا هو ما سبّب التردد وغياب الثقة التي تعيشها الأوساط الشيعية حاليا تجاه الاتجاهات والتيارات الإسلامية الشيعية. وقد تضخّم هذا التردد والغياب إلى حدٍّ انعكس على أصل موجة التديّن في المجتمعات مع الأسف.
وبعد هذا العرض التحليلي؛ لعلنا هنا سنضطر إلى وضع النقاط على الحروف حتى وإن تسببت في انزعاج بعض من لا يهمنا انزعاجهم! وإن الصراحة تقضي بأن نعلن للكافة، أن تلك "القيادات" التي نصّبت نفسها بنفسها في أعلى مستويات الهرمية الشيعية، لهي أشد لعنة على الشيعة من الدجّال! وليس هذا الإعلان الخطير مخترعا من قبلنا، بل إنه حكم وقضاء قضى به المعصومون عليهم الصلاة والسلام، وهم الذين لا رادّ لحكمهم، لأن الردّ عليهم كفر بالله تعالى.
هذا مولانا السلطان أبو الحسن الرضا (عليه الصلاة والسلام) يقول: "إن ممن يتخذ مودتنا أهل البيت لمن هو أشد لعنة على شيعتنا من الدجال"! فقيل له: يابن رسول الله.. بماذا؟ فأجاب عليه السلام: "بموالاة أعدائنا ومعاداة أوليائنا، إنه إذا كان كذلك اختلط الحق بالباطل، واشتبه الأمر، فلم يُعرَف مؤمن من منافق"!
بلى.. إنهم يدّعون التشيّع، وينتحلون مودة الآل عليهم السلام، ولكنهم يحرّفون مسار الشيعة وتكون فتنتهم لهم أكبر من فتنة الدجال، فهم يتوددون إلى أعداء أهل البيت (عليهم السلام) وفي المقابل يحاربون أولياءهم! ويجعلون على ذلك النظريات والرؤى حتى ينخدع بهم السذج والبسطاء.
ولربّ سائل يسأل: "كيف"؟ وجوابه: انظر إلى أوضاعنا نحن الشيعة اليوم، ألست ترى أن بعض هؤلاء "القيادات" ممن تسربلوا بالزي الديني قد فتحوا أبوابهم لزعماء المخالفين وأعداء أهل البيت (عليهم السلام) واستقبلوهم بالأحضان، فسخّروا لهم إعلامهم لكي ينفثوا عبره أباطيلهم بينما هم يقاطعون من يفترض أن يكونوا أخوة لهم في العقيدة والولاء؟! افتح تلفازك الآن على تلك الموجة الفضائية الجفائية وشاهد كيف أتاحوا الأوقات الثمينة لمشايخ التسنن الناصبي ليُلقوا فيها "مواعظهم" التي لا تخلو من "ترحّم" على قتلة الزهراء (صلوات الله عليها) من أمثال أبي بكر وعمر! بينما لا تجد في هذه الموجة ظهورا لعلماء التشيّع الولائيين المخلصين، إلا من يسبّح بحمد الحزب ويمجّده! وعندما يهاجمنا الوهابيون النواصب في وسائل إعلامهم وفي الفضائيات لا تتحرك غيرة القائمين على تلك الموجة لتخصيص وقت يدافع فيه علماؤنا عن أئمتنا!
ثم تجوّل بنفسك في لبنان فترة الانتخابات النيابية، لترى تلك التحالفات اللعينة بين من يدّعون التشيّع وبين مخالفيهم، لإسقاط خصوم سياسيين من بني التشيّع!
ثم اذهب إلى إيران في وقت ما يُسمى بأسبوع الوحدة الإسلامية، لترى بنفسك كيف أنهم سمحوا للوهابيين الأنجاس بتدنيس حرم المعصومة الطاهرة (صلوات الله عليها) وكيف أنهم يمشون في الشوارع والأزقة هاتفين بـ "عدالة عمر" في المسيرات "الوحدوية" التي ينظمها النظام! بينما لا يتورّع هذا النظام عن سجن علماء آل محمد (عليهم السلام) في قعر السجون وظلم المطامير!
وإن شئت أن تعجب فاعجب من هذه القيادات المتصنّعة للتشيّع وهي تشارك بنفسها في الصلاة الباطلة شرعا خلف أئمة الوهابية والمخالفين في مساجدهم بدعوى أن ذلك من ضرورات الوحدة الإسلامية بينما هم لا يسمحون لأنفسهم بالصلاة في أي مسجد من مساجد شيعة أهل البيت لا يكون هوى أصحابه على هواهم ولا يكون تقليد إمام المصلين فيه على تقليدهم!!
أليس كل هذا من مصاديق موالاة الأعداء ومعاداة الأولياء؟ هذا وما تركناه من الأمثلة والشواهد كثير مما يصعب إحصاؤه وتعداده. ويكفي أن يسأل كل واحد منا نفسه: كم رجلا من الشيعة باع دينه وباع إخوانه من المؤمنين للسلطات الجائرة والمخابرات في بلدان عديدة، وهو مع ذلك تجده واضعا عمامة على رأسه!!
ليعرف المؤمنون الشيعة - حرسهم الله تعالى - أن هؤلاء هم الذين يدعون إلى موقف الرضوخ والاستسلام للمخالفين، وهم بحكم إمامنا الرضا (عليه السلام) أشدّ لعنة من الدجّال. وينبغي على المؤمنين أن يسقطوا دعواتهم الاستسلامية عن الاعتبار، فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
لنحذر جميعا من هؤلاء.. ولنكن ممن جعل نفسه فداء لإمام الزمان عليه السلام.